للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسياق القصة يدل على أنها وقعت قبل ميلاد إسحاق، لأن البشارة بإسحاق ذكرت بعد سرد القصة بتمامها.

وهذه القصة تتضمن رحلة واحدة- على الأقل- قبل أن يشب إسماعيل، أما الرحلات الثلاث الآخر فقد رواها البخاري بطولها عن ابن عباس مرفوعا «١» وملخصها أن إسماعيل لما شب وتعلم العربية من جرهم، وأنفسهم وأعجبهم زوجوه امرأة منهم، وماتت أمه، وبدا لإبراهيم أن يطالع تركته فجاء بعد هذا التزوج، فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه وعن أحوالهما، فشكت إليه ضيق العيش فأوصاها أن تقول لإسماعيل أن يغير عتبة بابه، وفهم إسماعيل ما أراد أبوه، فطلق امرأته تلك وتزوج امرأة أخرى، وهي ابنة مضاض بن عمرو، كبير جرهم وسيدهم «٢» .

وجاء إبراهيم مرة أخرى بعد هذا التزوج الثاني فلم يجد إسماعيل فرجع إلى فلسطين بعد أن سأل زوجته عنه وعن أحوالهما فأثنت على الله، فأوصى إلى إسماعيل أن يثبت عتبة بابه.

وجاء مرة ثالثة فلقي إسماعيل وهو يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه فصنع كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، وكان لقاؤهما بعد فترة طويلة من الزمن، قلما يصبر فيها الأب الكبير الأواه العطوف عن ولده، الولد البار الصالح الرشيد عن أبيه وفي هذه المرة بنيا الكعبة، ورفعا قواعدها، وأذّن إبراهيم في الناس بالحج كما أمره الله.

وقد رزق الله إسماعيل من ابنة مضاض اثني عشر ولدا ذكرا «٣» وهم: نابت أو بنالوط، قيدار، وأدبائيل، ومبشام، ومشماع، ودوما، وميشا، وحدد، ويتما، ويطور، ونفيس، وقيدمان، وتشعبت من هؤلاء اثنتا عشرة قبيلة، سكنت كلها في مكة مدة، وكانت جل معيشتهم التجارة من بلاد اليمن إلى بلاد الشام ومصر ثم انتشرت هذه القبائل في أرجاء الجزيرة بل وإلى خارجها. ثم أدرجات أحوالهم في غياهب الزمان، إلا أولاد نابت وقيدار.

وقد ازدهرت حضارة الأنباط في شمال الحجاز، وكوّنوا حكومة قوية دان لها من بأطرافها، واتخذوا البطراء عاصمة لهم، ولم يكن يستطيع مناوأتهم أحد حتى جاء الرومان فقضوا عليهم، وقد رجح السيد سليمان الندوي بعد البحث الأنيق والتحقيق الدقيق أن


(١) ج ١/ ٤٧٥- ٤٧٦.
(٢) قلب جزيرة العرب ص ٢٣٠.
(٣) نفس المصدر.

<<  <   >  >>