للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأنصاري الأوسي البدري، وأمرهم بالتمركز على جبل يقع على الضفة الجنوبية من وادي قناة- وعرف فيما بعد بجبل الرماة- جنوب شرق معسكر المسلمين، على بعد حوالي مائة وخمسين مترا من مقر الجيش الإسلامي.

والهدف من ذلك هو ما أبداه رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلماته التي ألقاها إلى هؤلاء الرماة فقد قال لقائدهم: نضح الخيل عنا بالنبل، لا يأتون من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا فأثبت مكانك لا نؤتين من قبلك «١» . ثم قال للرماة: احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا «٢» ، وفي رواية البخاري أنه قال: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم «٣» .

وبتعيين هذه الفصيلة في الجبل مع هذه الأوامر العسكرية الشديدة سد رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلمة الوحيدة التي كان يمكن لفرسان المشركين أن يتسللوا من ورائها إلى صفوف المسلمين، ويقوموا بحركات الإلتفاف وعملية التطويق.

أما بقية الجيش فجعل على الميمنة المنذر بن عمرو، وجعل على الميسرة الزبير بن العوام، يسانده المقداد بن الأسود، وكان إلى الزبير مهمة الصمود في وجه فرسان خالد بن الوليد، وجعل في مقدمة الصفوف نخبة ممتازة من شجعان المسلمين ورجالاتهم المشهورين بالنجدة والبسالة، والذين يوزنون بالآلاف.

ولقد كانت خطة حكيمة ودقيقة جدا، تتجلى فيها عبقرية قيادة النبيّ صلى الله عليه وسلم العسكرية- وأنه لا يمكن لأي قائد مهما تقدمت كفاءته أن يضع خطة أدق وأحكم من هذا- فقد احتل أفضل موضع من ميدان المعركة، مع أنه نزل فيه بعد العدو، فقد حمى ظهره ويمينه بارتفاعات الجبل، وحمى ميسرته وظهره- حين يحتدم القتال- بسد الثلمة الوحيدة التي كانت توجد في جانب الجيش الإسلامي، واختار لمعسكره موضعا مرتفعا يحتمي به- إذا نزلت الهزيمة بالمسلمين- ولا يلتجئ إلى الفرار، حتى يتعرض للوقوع في قبضة الأعداء المطاردين وأسرهم، ويلحق مع ذلك خسائر فادحة بأعدائه إن أرادوا احتلال معسكره


(١) ابن هشام ٢/ ٦٥، ٦٦.
(٢) روى ذلك أحمد والطبراني والحاكم عن ابن عباس. انظر فتح الباري ٧/ ٣٥٠.
(٣) صحيح البخاري، كتاب الجهاد ١/ ٤٢٦.

<<  <   >  >>