للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعضا، حتى اجتمعوا على المسلمين، وثبتوا للقتال، وأحيط المسلمون من الأمام والخلف، ووقعوا بين شقي الرحى.

[موقف الرسول الباسل إزاء عمل التطويق:]

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ في مفرزة صغيرة- تسعة نفر من أصحابه «١» - في مؤخرة المسلمين «٢» ، كان يرقب مجالدة المسلمين ومطاردتهم المشركين؛ إذ بوغت بفرسان خالد مباغتة كاملة، فكان أمامه طريقان، إما أن ينجو- بالسرعة- بنفسه وبأصحابه التسعة إلى ملجأ مأمون، ويترك جيشه المطوق إلى مصيره المقدور، وإما أن يخاطر بنفسه فيدعو أصحابه ليجمعهم حوله، ويتخذ بهم جبهة قوية يشق بها الطريق لجيشة المطوق إلى هضاب أحد.

وهناك تجلت عبقرية الرسول صلى الله عليه وسلم وشجاعته المنقطعة النظير، فقد رفع صوته ينادي أصحابه: «عباد الله» ، وهو يعرف أن المشركين سوف يسمعون صوته قبل أن يسمعه المسلمون، ولكنه ناداهم ودعاهم مخاطرا بنفسه في هذا الظرف الدقيق.

وفعلا فقد علم به المشركون فخلصوا إليه، قبل أن يصل إليه المسلمون.

[تبدد المسلمين في الموقف]

أما المسلمون فلما وقعوا في التطويق طار صواب طائفة منهم، فلم تكن تهمها إلا أنفسها، فقد أخذت طريق الفرار، وتركت ساحة القتال، وهي لا تدري ماذا وراءها؟ وفر من هذه الطائفة بعضهم إلى المدينة حتى دخلها، وانطلق بعضهم إلى فوق الجبل، ورجعت طائفة أخرى فاختلطت بالمشركين، والتبس العسكران، فلم يتميزوا، فوقع القتل في المسلمين بعضهم من بعض. روى البخاري عن عائشة قالت: لما كان يوم أحد هزم المشركون هزيمة بينة، فصاح إبليس: أي عباد الله أخراكم- أي احترزوا من ورائكم- فرجعت أولاهم، فاجتلدت هي وأخراهم، فبصر حذيفة، فإذا هو بأبيه اليمان، فقال: أي عباد الله أبي أبي. قالت: فو الله ما احتجزوا عنه حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم، قال عروة: فو الله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لحق بالله «٣» .


(١) في صحيح مسلم (٢/ ١٠٧) أنه صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد فدى سبعة من الأنصار ورجلين من قريش.
(٢) يدل عليه قوله تعالى: وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ. (٣/ ١٥٣) .
(٣) صحيح البخاري ١/ ٥٣٩، ٢/ ٥٨١، وفتح الباري ٧/ ٣٥١، ٣٦٢، ٣٦٣ وذكر غير البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يديه. فقال حذيفة: تصدقت بديته على المسلمين، فزاد ذلك حذيفة خيرا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم. انظر مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص ٢٤٦.

<<  <   >  >>