للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ووقعت في هذه المدة مراماة ومقاذفات فالمسلمون أول ما فرضوا الحصار رماهم أهل الحصن رميا شديدا كأنه رجل جراد، حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة، وقتل منهم اثنا عشر رجلا، واضطروا إلى الإرتفاع عن معسكرهم إلى مسجد الطائف اليوم، فعسكروا هناك.

ونصب النبي صلى الله عليه وسلم المنجنيق على أهل الطائف، وقذف به القذائف، حتى وقعت شدخة في جدار الحصن، فدخل نفر من المسلمين تحت دبابة «١» ، ودخلوا بها إلى الجدار ليحرقوه، فأرسل عليهم العدو سكك الحديد محماة بالنار، فخرجوا من تحتها، فرموهم بالنبل وقتلوا منهم رجالا.

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم- كجزء من سياسة الحرب لإلجاء العدو إلى الإستسلام- أمر بقطع الأعناب وتحريقها. فقطعها المسلمون قطعا ذريعا، فسألته ثقيف أن يدعها لله والرحم، فتركها لله والرحم.

ونادى مناديه صلى الله عليه وسلم: أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر، فخرج إليهم ثلاثة وعشرون «٢» رجلا فيهم أبو بكرة- تسور حصن الطائف وتدلى منه ببكرة مستديرة يستقي عليها، فكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبا بكرة» - فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه، فشق ذلك على أهل الحصن مشقة شديدة.

ولما طال الحصار، واستعصى الحصن، وأصيب المسلمون بما أصيبوا من رشق النبال وبسكك الحديد المحماة- وكان أهل الحصن قد أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة- استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الديلي فقال: هم ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك، وحينئذ عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على رفع الحصار والرحيل، فأمر عمر بن الخطاب فأذن في الناس: إنا قافلون غدا إن شاء الله فثقل عليهم وقالوا: نذهب ولا نفتحه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغدوا على القتال، فغدوا فأصابهم جراح، فقال: إنا قافلون غدا إن شاء الله، فسروا بذلك وأذعنوا، وجعلوا يرحلون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك.

ولما ارتحلوا واستقلوا قال: قولوا: «آيبون تائبون عابدون، لربنا حامدون» .


(١) لم تكن الدبابة كدبابتنا اليوم، وإنما كانت تصنع من الخشب، كان الناس يدخلون في جوفها ثم يدفعونها في أصل الحصن لينقبوه وهم في جوفها، أو ليدخلوا من النقبات.
(٢) صحيح البخاري ٢/ ٦٢٠.

<<  <   >  >>