للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واشتدت في الطريق حاجة الجيش إلى الماء حتى شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا الله، فأرسل الله سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، واحتملوا حاجاتهم من الماء.

ولما قرب من تبوك قال: «إنكم ستأتون غدا إن شاء الله تعالى عين تبوك، وإنكم لم تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي» . قال معاذ: فجئنا وقد سبق إليها رجلان، والعين تبض بشيء من مائها، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل مسستما من مائها شيئا؟ قالا: نعم. وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم غرف من العين قليلا قليلا حتى اجتمع الوشل، ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويده، ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا» «١» .

وفي الطريق أو لما بلغ تبوك- على اختلاف الروايات- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تهب عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقم أحد منكم، فمن كان له بعير فليشد عقاله» ، فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طىء «٢» .

وكان دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق أنه كان يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء جمع التقديم وجمع التأخير كليهما.

[الجيش الإسلامي بتبوك]

نزل الجيش الإسلامي بتبوك، فعسكر هناك، وهو مستعد للقاء العدو، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم خطيبا، فخطب خطبة بليغة، أتى بجوامع الكلم، وحض على خير الدنيا والآخرة، وحذر وأنذر، وبشر وأبشر، حتى رفع معنوياتهم، وجبر بها ما كان فيهم من النقص والخلل من حيث قلة الزاد والمادة والمؤنة. وأما الرومان وحلفاؤهم فلما سمعوا بزحف رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذهم الرعب فلم يجترئوا على التقدم واللقاء، بل تفرقوا في البلاد في داخل حدودهم، فكان لذلك أحسن أثر بالنسبة إلى سمعة المسلمين العسكرية، في داخل الجزيرة وأرجائها النائية. وحصل بذلك المسلمون على مكاسب سياسية كبيرة خطيرة، بما لم يكونوا يحصلون عليها لو وقع هناك اصطدام بين الجيشين.

جاء يحنة بن روبة صاحب أيلة، فصالح الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأهل أذرح، فأعطوه الجزية، وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا فهو عندهم، وكتب


(١) رواه مسلم عن معاذ بن جبل ٢/ ٢٤٦.
(٢) نفس المصدر.

<<  <   >  >>