للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الأسبوع الأخير]

وثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم المرض، فجعل يسأل أزواجه: «أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟» ففهمن مراده، فأذن له يكون حيث شاء، فانتقل إلى عائشة، يمشي بين الفضل بن عباس وعلي بن أبي طالب، عاصبا رأسه تخط قدماه حتى دخل بيتها، فقضى عندها آخر أسبوع من حياته.

وكانت عائشة تقرأ بالمعوذات والأدعية التي حفظتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت تنفث على نفسه، وتمسحه بيده رجاء البركة.

[قبل الوفاة بخمسة أيام]

ويوم الأربعاء قبل خمسة أيام من الوفاة، اتقدت حرارة العلة في بدنه، فاشتد به الوجع وغمي، فقال: «هريقوا علي سبع قرب من آبار شتى، حتى أخرج إلى الناس، فأعهد إليهم» فأقعدوه في مخضب، وصبوا عليه الماء، حتى طفق يقول: «حسبكم، حسبكم» .

وعند ذلك أحس بخفة، فدخل المسجد- وهو معصوب الرأس- حتى جلس على المنبر، وخطب الناس- والناس مجتمعون حوله- فقال:

«لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» - وفي رواية «قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد «١» - وقال: لا تتخذوا قبري وثنا يعبد» «٢» .

وعرض نفسه للقصاص قائلا: «من كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه» .

ثم نزل فصلى الظهر، ثم رجع فجلس على المنبر، وعاد لمقالته الأولى في الشحناء وغيرها، فقال رجل: إن لي عندك ثلاثة دراهم، فقال: أعطه يا فضل، ثم أوصى بالأنصار قائلا:

«أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم» وفي رواية أنه قال: «إن الناس يكثرون، وتقل الأنصار، حتى يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه


(١) صحيح البخاري ١/ ٦٢، موطأ الإمام مالك ص ٣٦٠.
(٢) موطأ الإمام مالك ص ٦٥.

<<  <   >  >>