للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دوّخوا الشرق والغرب، وقوّضوا دولتين عظيمتين كانتا سبّة على الإنسانية ووصمة في جبينها بحكمهما الجائر، واضطهادهما لرعاياهما، فكان هؤلاء القواد من أتباع الرسول صلّى الله عليه وسلم من أكبر الفاتحين في العالم، ومن أصلب المحاربين عودا، وأشجعهم قلوبا، وأعلمهم بأمر القتال، وتعبئة الجيوش، وإدارة رحى الحروب، وإن أسماءهم لا تزال رمزا للمهابة والجلال في التاريخ العسكري. فسعد بن أبي وقاص هو الذي فتح العراق، واقتحم مملكة فارس، وانتزع فيها التاج عن مفرق كسرى الظالم، وألقى به تحت قدمي الإسلام. وخالد وأبو عبيدة هما اللذان أخرجا دولة الروم وجيوشها من ديار الشام، وطهّرا منهم أرض إبراهيم، وجعلاها في أيدي الوارثين لها من المسلمين، وعمرو بن العاص الذي انتزع مصر وأرض النيل من أيدي الروم الظالمين، وقذف بهم إلى البحر، وسار على أثره عبد الله بن الزبير «١» ، وعبد الله بن أبي سرح «٢» متوغلين في شمال إفريقية فتحا، وهداية، وإصلاحا. هؤلاء هم فاتحو الممالك، وقادة الجيوش الذين اعترف بهم بالكفاءة أعداؤهم، وشهد التاريخ بعظمتهم، وعلو كعبهم، وجلال مجدهم.


- ودهاتهم، وأولي الرأي والحزم والمكيدة فيهم، كان في الجاهلية من الأشداء على الإسلام، وهو الّذي أرسلته قريش رئيسا لوفد المشركين إلى الحبشة، وذلك لعدائه الشديد للمسلمين، وكفاءته العالية في المعاملات الخارجية. وبعد إسلامه فتح مصر، كان إسلام مثل هذا السياسي القدير والفاتح العظيم من معجزات الإسلام، توفي بالقاهرة سنة ٤٣ هـ، وله ٣٩ حديثا مرويا في كتب الحديث.
(١) هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، شهد فتح إفريقية زمن عثمان رضي الله عنه، وبويع له بالخلافة عقيب موت يزيد بن معاوية، كانت له مع الأمويين وقائع هائلة، قتل سنة ٧٣ هـ، كان من خطباء قريش المعدودين، وله ٣٣ حديثا مرويا في كتب الحديث.
(٢) هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري، فاتح إفريقية، كان من أبطال الصحابة، وكان من كتّاب الوحي للرسول صلّى الله عليه وسلم، افتتح ما بين طرابلس الغرب وطنجة، ودانت له إفريقية كلّها، وغزا الروم بحرا، وظفر بهم في معركة «ذات الصواري» ، وعاد إلى المشرق، توفي بعسقلان فجأة سنة ٣٧ هـ، وهو يصلّي.

<<  <   >  >>