للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكشفوا عن بطونهم، فإذا حجر قد شدّه كلّ واحد على بطنه، وأراهم صلّى الله عليه وسلم بطنه، وقد شدّ عليه حجرين، وكان صوته صلّى الله عليه وسلم يضعف أحيانا من شدة الجوع، وذهب مرّة إلى بيت صاحبه أبي أيوب الأنصاري «١» وهو جائع، فصنع له أبو أيوب طعاما، وقطف له بعض الرّطب من حديقته، فلما قدم إليه الطعام أخذ منه خبزا ووضع عليه شيئا من اللحم، وقال: ابعثوا به إلى فاطمة، فإنها لم تأكل شيئا منذ أيام، وكان يحبّ بنته وسبطيه حبا جما، غير أنّ حبّه لهم لم يحمله على أن يكسوهم لباسا ناعما، أو يحلي بنته حلية ثمينة، ورأى فاطمة قد لبست ذات يوم قلادة من الذهب جاءها بها زوجها عليّ كرّم الله وجهه، فقال صلّى الله عليه وسلم لها: يا فاطمة أتحبين أن يقال أن بنت محمد قد لبست طوقا من نار؟ فنزعت تلك القلادة من عنقها، واشترت بثمنها عبدا وأعتقته، ورأى عائشة قد لبست سوارين من ذهب، فأمرها أن تنزعهما، فنزعتهما حين قال لها: هذا لا ينبغي لآل محمد، وكان يقول: يكفي الإنسان من الدّنيا ما يتزود به الغريب في سفره، هذا قوله، أما عمله فيدلّ عليه ما روي أنّ أحد الصحابة دخل عليه فرآه قد أثر الحصير في جسمه الشريف، فقال: ألا نهدي إليك فراشا وثيرا؟ فأجابه: مالي ولدنياكم، ليس لي إليها حاجة إلا كما يستظلّ الراكب في طريقه؛ ليستريح ساعة من نهار، ثم يمضي قدما. وفي السنة التاسعة للهجرة وكانت رقعة الدولة الإسلامية قد امتدّت إلى اليمن، والشام، ولا ينفذ فيها إلا أمره، حتى أنّه لم يكن يملك إلا إزارا وسريرا خشنا، لا فرش له، ووسادة حشوها ليف، وقليلا من الشعير، وجلد حيوان في ناحية من البيت، وقربة ماء معلقة على وتد، فإذا كان ذلك هو تزهيده الناس في الدنيا، فهذا هو عمله الذي رأيتم.


(١) هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة، أبو أيوب الأنصاري، من أكابر الصحابة، شهد سائر المشاهد، كان شجاعا صابرا تقيّا محبا للغزو والجهاد، كان يسكن المدينة، فرحل إلى الشام، شارك في غزوة القسطنطينية مع يزيد، توفي فدفن في أصل حصن القسطنطينية، له ١٥٥ حديثا مرويا.

<<  <   >  >>