للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنها، وصفح. فلما رأت هذا العفو النبيل أكبرته، ولم تتمالك أن صاحت قائلة: يا محمد! لم يكن أهل خباء أبغض إليّ من أهل خبائك قبل اليوم، وأنا اليوم ليس أهل خباء أحبّ إلي من أهل خبائك!

وبعد فتح الطائف خرج وحشيّ «١» قاتل حمزة رضي الله عنه هاربا يلتمس مكانا آخر، فاختبأ به، فلما أظلّ سلطان الإسلام هذا المخبأ الذي لجأ إليه وحشيّ قال له قائل: إنك لا تعلم ما نعلم من أمر محمد صلّى الله عليه وسلم، إنك لن تجد لنفسك مأمنا إلا عنده، فحضره خائفا، فلما وقع عليه نظر النبي صلّى الله عليه وسلم غضّ عنه بصره، وتذكر في تلك اللحظة عمه حمزة، وقتله بيد هذا الرجل، فذرفت الدّموع من عينيه الشريفتين، وهاهو القاتل أمامه، ولو أراد أن يقتصّ منه لكان ذلك حقا وعدلا، لكنه عفا عنه، واكتفى بأن صرفه قائلا:

«إليك عني! فإني إذا رأيتك تذكرت عمّي حمزة وشهادته» .

وهذا عكرمة «٢» وأبوه أبو جهل كانا أعدى عدوّ للإسلام، والمسلمين، ولرسول الله خاصّة، فأبو جهل آذى النبي الكريم أذى لم يؤذه أحد مثله، وابنه عكرمة قاتل المسلمين، فلمّا فتح الله مكة لرسوله خاف على نفسه مما فعله هو وأهل بيته بالنّبيّ والمسلمين، ففرّ ناجيا بنفسه إلى اليمن، وكانت زوجه قد أسلمت من قبل، وعرفت الرسول حقّ المعرفة، فذهبت بنفسها إلى اليمن، وربطت على قلب زوجها، وهدّأت روعه، ورجعت به إلى المدينة، فلما بلغ النبي صلّى الله عليه وسلم قدومه سارع إليه يرحب به، حتى سقط عنه رداؤه، ثمّ قال لعكرمة بن أبي جهل وهو فرح مسرور: «مرحبا بالرّاكب المهاجر» وهل تعلمون بمن يرحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ومن هو هذا القادم الذي فرح صلّى الله عليه وسلم بقدومه حتى سقط عن منكبه رداؤه، وشمله بعفوه، وصفحه؟


(١) بعد إسلامه كان لا يرفع وجهه أمامه صلّى الله عليه وسلم خجلا وندامة، ثم كفّر عن جريمته السابقة بقتل مسيلمة الكذاب.
(٢) هو عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام المخزومي القرشي، من صناديد قريش في الجاهلية والإسلام، بعد إسلامه كان من أجلاء الصحابة، وكبار المجاهدين، والفاتحين، استشهد في اليرموك سنة ١٣ هـ.

<<  <   >  >>