للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأبطالهم تعيينا، يرى علماء الهنادك وفضلاؤهم أنّه مجازفة، ورجم بالغيب، وأكثر المحققين من علماء أوربا لا يعدّون ذلك من التاريخ، بل لا يعترفون بأنّ هؤلاء قد وجدوا في العالم يوما ما، أو كان لما حيك حولهم من أساطير شبه وجود. وإن «زردشت» صاحب المجوسية لا يزال معظّما عند كثير من أتباعه، لكنّ التاريخ لم يكشف الحجاب عن وجوده الحقيقي بعد، فهو لا يزال سرّا غامضا من أسرار التاريخ، حتى شكّ بعض المؤرخين من الأمريكيين والأوربيين في نفس وجوده، أما المستشرقون الذين يعترفون بوجوده التاريخيّ؛ فإنّهم يثبتون بعض شؤون حياته بظنون متباينة، وأوهام متباعدة إثباتا لا يروي غلّة، ولا يشفي علّة، فكيف يستطيع أحد أن يطمئن إلى اتخاذ حياة زردشت أسوة لنفسه في الحياة مادام الشكّ وتضارب الآراء يحومان حوله زمانه، وبلده، ونسبه، وأسرته، وشريعته، ودعوته، وكتابه، ولغته، وعام وفاته، ومكان موته، والروايات عن ذلك أوهام، وأقيسة، وظنون لا تغني من الحقّ شيئا. ومع ذلك فإنّ المجوس ليس لهم سبيل إلى معرفة هذه الأمور المرتاب فيها إلا ما زعمه بعض المستشرقين والباحثين من أهل أمريكا وأوربا، وإنّ علم المجوس الأصلي بنبيهم وحياته وسيرته لا يعدو ما في «الشاهنامة» للفردوسي، ومن ذا الذي يعذرهم فيما يعتذرون من أن كتبهم الدّينيّة قد ذهبت بها حروبهم مع اليونانيين، وأنّ أعداءهم أبادوها. ونحن ليس من غرضنا إلا أن نثبت أنّها غير موجودة ولا معلومة، ولا يهمّنا كيفية انعدامها، وزوالها، وهذا يدل على أنّ حياة زردشت لم تنل حظّ الدّوام والبقاء حتى أنكر أمثال Kern «١» و «٢» Dermeletes وشخصية زردشت، ووجوده التاريخي.


(١) هو فرديخ كيرن (Friedrich Kern) مستشرق ألماني، درس في جامعات أوربا، وسافر إلى القاهرة حيث أتقن اللغة العربية، مات سنة ١٩٢١ م، من آثاره: «آثار البوذية في الهند» وتحقيق «اختلاف الفقهاء» للطبري.
(Dermetetes) (٢) أحد كبار المستشرقين، وله مؤلفات حول تاريخ إيران وحول شخصية زردشت.

<<  <   >  >>