للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسيرة قد بدىء بها في عهد النّبي صلّى الله عليه وسلم، فقد جاء في باب كتابة العلم من صحيح البخاري: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمر، فكتبت خطبته التي خطبها يوم فتح مكة إجابة لسؤال صحابيّ من اليمن يدعى أبا شاه «١» . وقد أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم رسائله إلى الملوك التي يدعوهم فيها إلى الإسلام، وكلّها كانت مكتوبة، والكتاب الذي أرسله إلى المقوقس ملك مصر قد وجد ملصقا بدفّة كتاب في أحد الأديرة المسيحية في مصر، ويغلب على الظنّ أنه هو أصل الكتاب المرسل من النّبيّ صلّى الله عليه وسلم، وخطّه عربيّ قديم، وعبارته وترتيب كلماته التي في الخاتم هي عين ما يروى في الأحاديث، وهذا من أصدق الأدلّة على صدق الأحاديث المروية وصحتها. ويقول أبو هريرة:

ما من أحد أحفظ منّي لخدمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولا أكثر منّي رواية له، غير عبد الله بن عمرو بن العاص؛ لأنّه كان يكتب كلّ ما يسمع من النّبيّ صلّى الله عليه وسلم ولم أكن أكتب «٢» . وفي سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد أنّ عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش عن ذلك، وقالوا: تكتب ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول في الغضب والرّضا فأمسكت، حتّى ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال:

«اكتب، فو الّذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا حق!» وأومأ بأصبعه إلى فيه حين قال ذلك «٣» . وسمى عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفته هذه (الصادقة) «٤» وكان يقول: لقد حبّب الحياة إليّ أمران: أحدهما هذه


(١) لما فتح الله على رسوله صلّى الله عليه وسلم مكة، قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم فخطب خطبته، « ... فقام أبو شاه- رجل من اليمن- فقال: اكتبوا لي يا رسول الله! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: اكتبوا لأبي شاه ... » . (البخاري [٢٤٣٤] ) .
(٢) والحديث في البخاري ومسند الإمام أحمد: (ما من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه منّي إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنّه كان يكتب ولا أكتب) (البخاري [١١٣] ومسند الإمام أحمد (٧٣٨٣) .
(٣) مسند أحمد: (١٦٢) و (١٩٢) ، وسنن أبي داود (٢٢) وجامع بيان العلم، الجزء الأول، ص ٧١.
(٤) هي «الصحيفة الصادقة» وهي من أشهر الصحف المكتوبة في العصر النبوي، كتبها وجمعها عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنه- من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد-

<<  <   >  >>