للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيحزن عليه، واما الهم فإنه يكون على أمر مستقل متوقع الوقوع ولم يقع.

ثم قالت له خديجة: «إنك لتصل الرحم» أي: لتحسن إلى أقاربك، فيه دلالة على استجاب صلة الرحم، وهو الإحسان إلى الأقارب، فتارة تكون صلة الرحم بالمال، وتارة بالخدمة، وتارة بالزيادة، وتارة بالسلام، وتارة بغير ذلك.

«وتحمل الكل» أي: الثقل، والمعنى: أنك تعين الضعيف، وترفع ما عليه من الثقل.

«وتكسب المعدوم» الرواية الفصيحة (١) الكثيرة المشهوه «تكسب» بفتح الياء واختلف في معناه على خمسة أقوال:

فقيل: معناها وتعين المحتاج، فإن الرجل المحتاج العاجز عن الكسب كالمعدوم البت، أي: تعين هذا الذي كالمعدوم لعجزه فتعينه، وقيل في معناها غير ذلك.

وروي «تكسب» بضم أوله بمعنى تكسب غيرك المال المعدوم، أي: تعطيه إياه فحذف أول مفعوله، وقيل: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك من مكارم الأخلاق العلوم وغير ذلك.


(١) قال ابن حجر في الفتح (١/٧٥) : في رواية الكشميهني وتكسب بضم أوله، وعليها قال الخطابي: الصواب المعدم بلا واو أي الفقير، لأن المعدوم لا يكسب.
قلت: ولا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم لكونه كالمعدوم الميت الذي لا تصرف له، والكسب هو الاستفادة، فكأنها قالت: إذا رغب غيرك أن يستفيد مالا موجوداً رغبت أنت أن تستفيد رجلاً عاجزاً فتعاونه.
وقال قاسم بن ثابت في الدلائل: قوله يكسب معناه: ما يعدمه غيره ويعجز عته يصيبه هو ويكسبه.
قال أعرابي يمدح إنساناً: كان أكسبهم لمعدوم، وأعطاهم لمحروم وأنشد في وصف ذئب «كسوب كذا المعدوم من كسب واحد» أي: مما يكسبه وحده، (انتهى) .
ولغير الكشميهني «وتكسب» بفتح أوله، قال عياض: وهذه الرواية أصح.
قلت: قد وجهنا الأولى، وهذه الراجحة، ومعناها: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك، فحذف أحد المفعولين، ويقال: كسبت الرجل مالاً وأكسبته بمعنى.
وقيل: معناه تكسب المال المعدوم وتصيب منه مالا يصيب غيرك. وكانت العرب تتمادح بكسب المال، لا سيما قريش.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة محظوظاً في التجارة. وإنما يصح هذا المعنى إذا ضم إليه ما يليق به، من أنه كان مع إفادته للمال يجود به في الوجوه التي ذكرت في المكرمات.

<<  <  ج: ص:  >  >>