للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إبراهيم: ?سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي? [مريم: ٤٧] معناه إنك مني سالم لا أوذيك لو آذيتني سألت الله تعالى لا يعاقبك بأذيتي، وإنما قال ?وَاهْجُرْنِي مَلِيَّاً? لأنه أعاب الصنم عنده بثلاثة أشياء قال: لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عن عبده فلا تصلح له الربوبية، إنما الربونية لرب يأتي إليه في ليلة ظلماء فيقضي حاجته، ويراه في ظلمة الليل ويسمع قوله ويعلم، ثم قال: وأما ما طلبت من الهجر بقولك اهجرني فقد هجرتك ولن تراني قط عندك، هذا فراق ليس بعده تلاق، ووداع ليس بعده اجتماع.

وقيل: إن إبراهيم أقام عند أبيه سبع عشرة سنة كاشف قومه وقال لهم: ?مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ? [الأنبياء: ٥٢] يعني ما هذه الأصنام التي أنتم مقيمون على عبادتها قالوا: ?وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ? [الأنبياء: ٥٣] يعني إننا نقتدي في عبادتها بأباءنا ونقلدهم قال: ?لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ? [الأنبياء: ٥٤] .

ثم اظهر دينه -صلوات الله عليه وسلامه- قال: ?أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ العَالَمِينَ? [الشعراء: ٧٥، ٧٦، ٧٧] فقالوا: من تعبد أنت يا إبراهيم؟ قال: رب العالمين، فقالوا: يعني النمروذ قال لا ?الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ? [الشعراء: ٧٨ - ٨٢] .

فلما ظهر أمره للناس حتى بلغ النمروذ الجبار دعاه: يا إبراهيم إلهك الذي بعثك وتدعوا الناس إلى عبادته وتذكر من قدرته، وتعظمها له على غيره صفة لنا فقال إبراهيم: ?رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ?، قال النمروذ: ?أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ? قال له إبراهيم: كيف تحي وتميت؟ قال: أخذ رجلين قد استوجبا القتل في حكمي فأقتل أحدهما فأكون قد أمته ثم أعفو عن الآخر فأكون قد أحييته فقال له إبراهيم عند ذلك إلزاماً على وجه يعجز الإتيان بنظيره ?فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المَغْرِبِ? فبهت عند ذلك النمروذ ولم يرد جواباً ولزمته الحجة كما قال تعالى ?فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ? [البقرة: ٢٨٥] .

ثم إن إبراهيم أراد أن يري قومه ضعف الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون الله، وعجزها إلزاماً للحجة، فجعل ينظر وقتاً يخل فيه مكان الأصنام إلى أن حضرهم عيد، فإنهم كان لهم في كل سنة عيد يخرجون إليه يجتمعون فيه، وكانوا إذا رجعوا من

<<  <  ج: ص:  >  >>