للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى القتل؟ والحجاج يسمع فقال: ردني قوله تعالى: ?وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ? [النحل: ٩١] ?وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ? [البقرة: ٤٠] والوفاء بالعهد من الإيمان، فلا أخرج من الإيمان لأجل حياة زائلة، فقال الحجاج: أذهبا فقد عفوت عنكما.

وأما الفجور في الخصومة فهو حرام كما يدل على تحريمه الحديث المذكور، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «كفي بالمرء إثما أن لا يزال مخاصماً» (١) .

والخصومة: لجاج في الكلام ليستوفي به الإنسان مقصوده من مال أو غيره، نعم إن خاصم الإنسان بحق يستوفي حقه فليس ذلك بحرام، وإنما الحرام المذموم من المخاصمة أن يخاصم بباطل أو بغير علم، كبعض وكلاء القضاة فإنه يتوكل بالخصومة قبل أن يعرف الحق في أي جانب فيخاصم بغير علم، فالخصومة مبدأ الشر، وهي توغر الصدر وتهيج الغضب، وإذا هاج الغضب حصل الحقد بينهما، فأطلق كل واحد منهما لسانه في حق الآخر، فينبغي للعاقل أن لا يفتح عليه باب الخصومة إلا لضرروة بالغة، وحينئذ يحفظ لسانه وقلبه عن آفاتها.

قال بعضهم: ما رأيت شيئاً أذهب للدين ولا أنقص للمروءة، ولا أضيع للذة، ولا أشغل للقلب من الخصومة.

فائدة: قال العلماء: ينبغي للإنسان إذا قال خصمه: بيني وبينك كتاب الله أو سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقوال العلماء المسلمين أو نحو ذلك، أو قال: اذهب معي إلى حاكم المسلمين، أو للمفتي للفصل في الخصومة التي بيننا وما أشبه ذلك أن يقول: سمعنا وأطعنا، أو سمعاً وطاعة، أو نعم وكرامة أو شبه ذلك.

قال الله تعالى: ?إِنَّمَا كان قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ? [النور: ٥١] .

وإذا قال له خصمه في المخاصمة والمنازعة في أمر: اتق الله، أو خف الله تعالى، أو راقب الله تعالى، أو اعلم أن الله مطلع عليك، أو اعلم أن ما تقوله يكتب عليك أو تحاسب عليه، أوقال له: قال الله تعالى ?يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراًّ? [آل عمران: ٣٠] ، وقال تعالى ?وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى


(١) أخرجه الترمذي في سننه (٤/٣٥٩، رقم ١٩٩٤) ، وقال: غريب. والطبراني في الكبير (١١/٥٧، رقم ١١٠٣٢) ، والبيهقي في شعب الإيمان (٦/٣٤٠، رقم ٨٤٣٢) عن ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>