للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بابين وحج الناس ثماني حجج، وبقي في الخلافة إلى أن حصر.

قال الواقدي: حصر ابن الزبير ليلة هلال ذي القعدة سنة اثنين وسبعين ستة أشهر وسبع عشر بمكة المشرق، وكان حصره أشد الحصار، وكان المحاصر له الحجاج وجماعته، واستمر محاصراً إلى أن اصابته رمية حجر جاءته من ناحية الصفا فوقعت بين عينيه فنكس رأسه وهو يقول:

لسنا على الأعقاب تدمي في كلومنا ... ولكن على أقدامنا يقطر الدم

فاجتمعوا عليه فلم يزالوا يضربونه حتى قتلوه، وكان قتلة يوم الثلاثاء لست عشر ليلة خلت من جماد الأول سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن اثنين وسبعين سنة في أيام عبد الملك بن مروان، وأمر الحجاج بصلب جثته وحمل رأسه إلى خراسان.

وقال يعلى بن حرملة: دخلت مكة بعد ما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير بثلاثة أيام فإذا هو مصلوب، فجاءت أمه امراة عجوز كبيرة طويلة مكفوفة البصر تقاد فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟ فقال لها الحجاج: تقولين عن هذا المنافق، فقالت: والله ما كان منافقاً، ولكنه كان صواماً قواماً براً، قفال: انصرفي إنك عجوز قد خرفت، قالت: لا والله ما خرفت، ولقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يخرج من ثقيف كذاب ومبير» فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت المبير (١) .

ويروى أن عبد الله بن عمر مر على ابن الزبير وهو مصلوب فقال: رحمك الله فإنك كنت صواماً قواماً وصولاً للرحم، وإنى أرجو أن لا يعذبك الله - عز وجل -.

وقيل: إن الحجاج أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر بعد أن صلبه فأبت أن تأتيه، فأعاد عليها الرسول: إما أن تأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك، قال: فأبت وقالت: والله لا آتيك حتى تبعث إلى من يسحبنى بقروني، فأخذ الحجاج بغلته وانطلق إليها حتى دخل عليها فقال لها: كيف رأيتينى صنعت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك.

وكان السبب في إنزاله من الخشبه أخوه عروة فإنه ذهب إلى عبد الملك بن مروان فرغب إليه في إنزاله من الخشبة فاسعفه فأنزل، ثم أمرت أمه أسماء ابن أبي ملكية بغسله


(١) أخرجه الطبراني في الكبير (٢٤/١٠١، رقم ٢٧٢) ، قال الهيثمي (٧/٢٥٦) : رواه الطبراني وأبو المحياة وأبوه لم أعرفهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>