للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أبو جهل: فوالله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره إني أرى أن تأخذوا من كل قبيلة من قريش شاباً نسبياً، ثم يعطى كل واحد منهم سيفاً صارماً، ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل كلها، ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يطيقون حرب قريش كلها، وإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا ديته، فتودي قريش ديته، فقال إبليس: صدق هذا الفتى القول ما قال لا أرى غيره، فتفرقوا على قول أبي جهل فأتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بذلك، وأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه، وأذن الله له عند ذلك بالهجرة إلى المدينة، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي - رضي الله عنه - فنام في مضجعه الذي كان يبيت فيه، وقال: تسجى ببردي هذا الأخضر فإنه لم يخلص إليك منهم أمر لكرهم، وكان - صلى الله عليه وسلم - ينام في برده هذا إذا نام، فكان علي - رضي الله عنه - أول من جعل نفسه فداءً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أشار إلى ذلك بقوله:

وقيت بنفسي خير من وطئ الثرى ... ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجر

رسول إله خاف أن يمكروا به ... فنجاه الإله ذو الطول من المكر

وخلف علياً بمكة حتى يدفع الودائع إلى أهلها فإنه - صلى الله عليه وسلم - كانت توضع الودائع عنده لصدقه وأمانته، فلما أمره الله بالخروج للهجرة قال لجبريل: من يهاجر معي؟ قال: أبو بكر الصديق، ثم احتاط الكفار وقت العتمة بدار النبي - صلى الله عليه وسلم - يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه، فلما علم بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حفنة من تراب وخرج عليهم، وقد أخذ الله أبصارهم فلم يره منهم أحد وجعل ينثر التراب على رؤوسهم، وهو يقرأ قوله تعالى ?إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَداًّ وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَداًّ فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ? [يس: ٨، ٩] ولم يبق منهم رجل وقد وضع على رأسه تراباً.

وكان خروجه مهاجراً في شهر ربيع الأول، ويقال: في صفر يوم الاثنين، وصحب معه أبو بكر - رضي الله عنه - واستأجر عبد الله بن أريقط دليلاً وهو على شركه، ثم أسلم بعد ذلك وصحب، واستأجروا عامر بن فهيره خادماً وأما الكفار الذين أحاطوا بالدار فلما أصبحوا دخلوا على علي قالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري فعلموا أنه ذهب فاقتصوا أثره وأرسلوا في طلبه، وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه استمر سائراً هو ومن معه، فجعل أبو بكر يمشي مرة أمامه ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن يساره فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما هذا يا أبا بكر ما أعرف هذا من فعلك؟ قال: يا رسول

<<  <  ج: ص:  >  >>