للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتبقى الصفوف في مواضعها بسيطرة قائدها، الى أن يفقد زخم المهاجمين بالكرّ والفر شدّته ... عند ذاك تتقدم الصفوف متعاقبة للزحف على العدو.

يظهر من ذلك أن أسلوب (الصفوف) يتميز على أسلوب (الكرّ والفر) بأنه يؤمّن ترتيب القوات بالعمق، فتبقى دائما بيد القائد قوة احتياطية يعالج بها المواقف التي ليست بالحسبان، كأن يصد هجوما مضادا للعدو، أو يضرب كمينا لم يتوقعه، أو أن يحمي الأجنحة التي يهددها العدو بفرسانه أو بمشاته، ثم يستثمر الفوز بالاحتياط من الصفوف الخلفية عند الحاجة.

إن أسلوب (الصفوف) يؤمّن السيطرة عنى القوة بكاملها، ويؤمّن احتياطا للطوارىء، ويصلح للدفاع والهجوم في وقت واحد؛ أما أسلوب (الكر والفر) فيجعل القائد يفقد السيطرة على قواته ولا يؤمّن له أي احتياط للطوارىء.

إن تطبيق الرسول صلّى الله عليه وسلم لأسلوب (الصفوف) في معركة (بدر) ، عامل مهم من عوامل انتصاره على المشركين؛ والتاريخ العسكري يحدثيا بأن سر انتصار القادة العظام كالإسكندر وهنيبال قديما ونابليون ومولتكه ورومل ورونشتد حديثا، هو أنهم طبقوا أسلوبا جديدا في القتال غير معروف أو قاتلوا بأسلحة جديدة غير معروفة.

استعرض الرسول صلّى الله عليه وسلم أصحابه قبل القتال، فعندما رآهم يتزاحمون ويدنو بعضهم من بعض جعلهم صفوفا وأخذ يعدل صفوفه.

وبعد ذلك خطبهم حاثا لهم على الجهاد، وأمرهم أن يصدوا هجوم العدو وهم مرابطون في مواقعهم، وذلك بتسديد النبال الى صدور العدو، كما أمرهم ألّا يحملوا إلا بأمر منه.

<<  <   >  >>