للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع ذلك فالموقف جدّ مختلف بين موقف يهود الذين خانوا عهودهم في غزوة الخندق وبين يهود بني قريظة، إذ أن خيانة هؤلاء ونكثهم عهودهم كان في أحرج الأوقات وأشدها خطورة على مستقبل الاسلام والمسلمين ...

فهل يبقي المسلمون سلما على بني قريظة أيضا ليقوموا بدور أسلافهم بني قينقاع وبني النضير؟

لقد كان بإمكان يهود بني قريظة ان يتخلصوا من القتل لو أعلنوا إسلامهم كما فعل ثلاثة رجال منهم، فنجوا بحياتهم وأموالهم.

ولم يقض المسلمون بالقتل إلا على الرجال الذين قاتلوهم (فعلا) بعد أن خانوا عهودهم وعرّضوا المسلمين للإبادة، أما الأطفال والنساء فلم يصابوا بأذى، كما أن الذين ثبتوا على عهودهم من يهود لم يصابوا بسوء.

والمرأة الوحيدة التي قتلت من بني قريظة هي التي قتلت مسلما بقذفه بالرحى من فوق سطحها، وإنما كان قتلها على جريمتها هذه لا بسبب آخر.

أما قتل أبي رافع بن أبي الحقيق، فلأنه أحد رؤوس يهود الذين حرّضوا الأحزاب، وقتله كان عبرة لغيره من الذين يحاولون محاولته في المستقبل؛ وحتى قوانين الحرب الدولية الحديثة تجيز القتل في مثل هذا الموقف، فهذا اليهودي كان من بني النضير الذين أرادوا اغتيال الرسول صلّى الله عليه وسلم، فحاصرهم وتغلّب عليهم واضطرهم على الاستسلام، ثم سمح لهم بالرحيل بعيدا عن المدينة على ألا يعودوا الى قتاله أو التحريض عليه، فإذا نكث هذا بالعهد وحرّض الأحزاب على تطويق المدينة، وحرّض بني قريظة على نكث عهدهم مع المسلمين. إذا كانت هذه أعماله بعد أن أطلقه الرسول صلّى الله عليه وسلم مع قومه بعد استسلامهم، فمن حق المسلمين أن يقتلوه كمجرم حرب لا كمحارب شريف «١» .


(١) - راجع قانون الحرب والحياد من القانون الدولي. يطلق الأسير إذا اعطى كلمة (الشرف) بألا يقاتل الدولة التي اطلقت سراحه ولا يحرض على قتالها، فاذا اخل بكلمة الشرف التي اعطاها والتحق بالجيش ثم اسرته الدولة التي اطلقت سراحه، جاز محاكمته على إخلاله، والعقوبة في العادة هي الإعدام.

<<  <   >  >>