للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متزن حكيم، فكره عروة أن يعود من مفاوضة النبي صلّى الله عليه وسلم، فيسمعه رجال قريش ما يسوءه؛ فاعتذرت له قريش مؤكدة أنه عندهم غير متّهم، وأنها تطمئن الى حكمته وحسن رأيه؛ فخرج الى محمد صلّى الله عليه وسلم وذكر له أن مكة المكرمة بلده الحبيب وأن بها قومه وعشيرته، فلا يصح له مهاجمتها بمن جمع من أوشاب «١» الناس الذين سينكشفون عنه منهزمين إذا اشتد الخطب. فأجابه أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (أنحن ننكشف عنه) ؟!

وعاد عروة الى حديثه مع الرسول صلّى الله عليه وسلم وجعل يمسّ لحية النبي صلّى الله عليه وسلم وهو يكلّمه، فقرع المغيرة بن شعبة الثقفي «٢» يد عروة وهو يقول: (أكفف يدك عن وجه رسول الله قبل ألا تصل إليك) ...

وردّ النبي صلّى الله عليه وسلم على عروة بما يقطع لجاجته وينفي كل شبهة: (إنه لا يريد حربا وإنما يريد أن يزور البيت كما يزوره غيره) ...

عاد عروة من اجتماعه بالرسول صلّى الله عليه وسلم الى قريش، وقد رأى ما يصنع به أصحابه: لا يتوضّأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه؛ فرجع الى قريش ليقول: (يا معشر قريش! إني قد جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه؛ ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، فروا رأيكم) .

عادت كل سفراء قريش إليها دون أن يتعرّض بهم أحد من المسلمين، وقد اطمأنوا جميعا الى نيّات المسلمين السلمية، مما جعل حلفاء قريش يقاومون فكرة القتال، بل كادت تنشب حرب أهلية بين متعصبي قريش ومنصفيها.


(١) - الأوشاب: الأخلاط.
(٢) - أنظر سيرته في: قادة فتح العراق والجزيرة ٣٨٧- ٤١١.

<<  <   >  >>