للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن خروجه عن الطريق العام الى طريق فرعية باتجاه مكة، جعل طلائع قريش تضطر الى الاسراع في العودة أدراجها للدفاع عن مكة، لأن المسلمين هدّدوها تهديدا مباشرا وأصبحوا قريبين منها. ولم تكن حركة المسلمين على هذه الطريق خوفا من قوات قريش، لأن الذي يخاف عدوه لا يقترب من قاعدته «١» الأصلية وهي مركز قواته، بل يحاول الابتعاد عن قاعدة العدو الأصلية حتى يطيل خطوط مواصلات «٢» العدو، ويذلك يزيد من صعوباته ومشاكله ويجعل فرصة النصر أمامه أقلّ من حالة الاقتراب من قاعدته الأصلية.

وعندما وصل الرسول صلّى الله عليه وسلم (الحديبية) بقي مصرا على هدفه (السلام) الذي لم ينسه قط: أفسح المجال لمفاوضي قريش بالقدوم الى معسكر المسلمين في كل وقت للتأكد من نيات المسلمين السلمية، وأرسل مفاوضين من المسلمين ليؤكدوا للمشركين صدق نياتهم السلمية.

وعندما هاجم قسم من المشركين معسكر المسلمين ورموهم بالنبل، حاول المسلمون حينذاك أن يلقوا القبض على المهاجمين دون أن يوقعوا بهم خسائر بالأرواح أو بالأموال؛ فاستطاعوا فعلا تطويقهم والقبض عليهم، ثم أطلقوا سراحهم وأعادوهم الى قريش دون أن يلحقوا بهم أي أذى.

ألا يدل ذلك على إصرار الرسول صلّى الله عليه وسلم على التفاهم مع قريش وإحلال السلم بين الطرفين؟

لقد لاحظنا في هذه الغزوة دون غزوات الرسول صلّى الله عليه وسلم الأخرى، أنه لم يستشر أصحابه في عقد الهدنة واستقلّ هو برأيه، وسبب هذا الإصرار على


(١) - القاعدة: هي المنطقة التي يستند اليها الجيش قبل شروعه في العمليات الحربية، والقاعدة نوعان: قاعدة العمليات وقاعدة التموين، وتتوحدان على الأغلب ويندر ان تكونا منفصلتين.
(٢) - خطوط المواصلات: هي الخطوط التي تربط الجيش بقاعدته.

<<  <   >  >>