للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صلّى الله عليه وسلم ذلك قال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) ؛ وبعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فودى لهم قتلاهم وما ذهب منهم «١» . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (يا علي! أخرج الى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك) ، فخرج علي حتى جاءهم، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال، حتى إنه ليدي لهم ميلغة الكلب «٢» ، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم حين فرغ منهم:

(إني أعطيكم هذه البقية من المال احتياطا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم مما لا يعلم وتعلمون) ، فلما رجع وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بما فعل، قال له: (أصبت وأحسنت) «٣» .

ومن الواضح أن الرواية الأولى، وهي الرواية التي رواها الإمام البخاري في صحيحه هي الصحيحة، لأن صحيح البخاري هو أوثق المصادر في روايته، ولأنها أقرب للعقل والمنطقق، ولأن خالدا لو اقتنع بإسلامهم لما تجرأ مطلقا على قتلهم.

لقد قال بنو جذيمة: (صبأنا ... صبأنا) ، فحمل خالد هذه اللفظة على ظاهرها، أي أنهم خرجوا من دين الى دين، فلم يكتف خالد بذلك حتى يصرحوا بالاسلام «٤» ، والدليل على ذلك أنه قال لهم: (ضعوا السلاح فان الناس قد أسلموا) «٥» ، وهذا دليل قاطع على أنه لم يقتنع بأن كلمة: (صبأنا) ، هي بمعنى: أسلمنا «٦» .


(١) - أنظر طبقات ابن سعد ٢/ ١٤٧- ١٤٨، وسيرة ابن هشام ٤/ ٥٤.
(٢) - ميلغة الكلب: خشبة تحفر ثم تتخذ ليلغ فيها الكلب.
(٣) - سيرة ابن هشام ٤/ ٥٥، والطبري ٢/ ٢٤٢، وجوامع السيرة ص ٢٣٥، وعيون الأثر ٢/ ١٨٦.
(٤) - فتح الباري بشرح البخاري ٨/ ٤٦.
(٥) - سيرة ابن هشام ٤/ ٥٣ والطبري ٢/ ٣٤١ وابن الأثير ٢/ ٩٧ وتاريخ أبي الفدا ١/ ١٤٥.
(٦) - انظر تفاصيل ذلك في سيرة خالد ابن الوليد المخزومي في كتابنا: قادة فتح العراق والجزيرة ٧٢- ٧٤.

<<  <   >  >>