للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثباته تجاه عشرة آلاف من قوات الأحزاب في غزوة (الخندق) شجاعة نادرة أيضا، خاصة بعد أن نكث يهود عهوهم، فأصبح الخطر يهدد قوات المسلمين من خارج المدينة ومن داخلها.

وقد نزل في غزوة (بدر) الكبرى ليباشر القتال بنفسه، وفي ذلك يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إنا كنا إذا اشتد الخطب واحمرّت الحدق، إتقينا برسول الله صلّى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب الى العدو منه؛ ولقد رأيتني يوم (بدر) ونحن نلوذ برسول الله، وهو أقربنا الى العدو) .

وفزع أهل المدينة ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فتلقاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم راجعا على فرس لأبي طلحة عرى والسيف في عنقه وهو يقول: (لم تراعوا) !

وفي (أحد) كافح مع جماعة قليلة من أصحابه للخروج من الطوق الذي طوّقهم به المشركون، فاستطاع أن ينقذ المسلمين من فناء أكيد، ولم يكتف بذلك بل قام بمطاردة قريش الى موضع (حمراء الأسد) .

ولو لم يثبت الرسول صلّى الله عليه وسلم مع عشرة فقط من أصحابه يوم (حنين) ، لاستطاعت هوازن وثقيف أن تبيد المسلمين.

تلك مواقف يتصدع منها قلب أشجع الشجعان، ومع ذلك فقد ثبت الرسول صلّى الله عليه وسلم فيها غير مكترث بما يحدق به من أخطار.

ولولا شجاعة الرسول صلّى الله عليه وسلم الشخصية التي أظهرها في هذه المواقف وفي غيرها لما انتصر المسلمون أبدا «١» .


(١) - من أمثلة شجاعته النادرة في غير ساحات القتال، حادثة ذهاب رجالات المشركين الى عمه أبي طالب مهددين متوعدين، فقال له عمه: (يا ابن أخي! إن قومك قد جاءوني فقالوا: كذا وكذا، فابق عليّ وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق) . فأجابه الرسول (ص) : (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك) فيا لها من شجاعة نادرة لا تتيسر عند اشجع الشجعان!

<<  <   >  >>