للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قاتل أبو دجانة بهذا السيف قتالا شديدا، فلما دارت الدائرة على المسلمين ترّس «١» بنفسه دون رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فحنى ظهره عليه والنبل يقع فيه.

لقد كان الرسول صلّى الله عليه وسلم يعرف أن بين أصحابه شجعانا مغاوير فكلفهم بواجبات تحتاج الى الشجاعة كأبي دجانة، وكان يعرف أن بين أصحابه من لا يقوى قلبه على الحرب كحسان بن ثابت، فتركه مع النساء يوم (أحد) والخندق واستفاد من شعره البليغ؛ وكان يعرف أن من بينهم صاحب الرأي والمشورة، ومن بينهم من يستطيع قيادة غيره، ومن بينهم من لا يستطيع أن يكون أكثر من جندي بسيط، فكلّف كل واحد من هؤلاء بواجب يستطيع إنجازه.

إنه لم يحمّل شخصا فوق ما يطيق، وهذا دليل على معرفته نفسيات وخواص وقابليات أصحابه جميعا.

ولعلّ أهم ميزة يمتاز بها الرسول صلّى الله عليه وسلم على غيره من القادة والرسل، هي أنه كان قديرا على اختيار الرجل المناسب للعمل المناسب. إنه كان يعرف النفسية البشرية ويقدّرها حق قدرها، ويعرف كيف يوجهها الى ما يناسبها.

والمهم في الأمر أنه صلوات الله وتسليمه عليه، كان يذكر أصحابه بأفضل ما فيهم من صفات، ويغض النظر عما يعانونه من نواقص بشرية، ويأمر أصحابه بذكر أصحابه بأفضل ما فيهم.

وبذلك كان عليه الصلاة والسلام يبني الرجال ولا يحطم الرجال.

ح- الثقة المتبادلة:

كانت ثقة أصحاب الرسول صلّى الله عليه وسلم به عظيمة جدا، كما كانت ثقته بأصحابه


(١) - كان له بنفسه ترسا، أي وقاه بنفسه.

<<  <   >  >>