للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وموقفه. عرضت عليه أمته أن تنصبه ملكا عليها وأن تضع عند قدميه كل ثروات البلاد إذا كف عن الدعوة إلى دينه ونشر رسالته. فرفض هذه الإغراآت كلها فاختار بدلا من ذلك أن يعانى من أجل دعوته. لماذا؟ لماذا لم يكترث أبدا للثروات والجاه والملك والمجد والراحة والدعة والرخاء؟ لابدّ أن يفكر المرء فى ذلك بعمق شديد إذا أراد أن يصل إلى جواب عليه» «١» .

«هل بوسع المرء أن يتصور مثالا للتضحية بالنفس وحب الغير والرأفة بالآخرين أسمى من هذا المثال حيث نجد رجلا يقضى على سعادته الشخصية لصالح الآخرين، بينما يقوم هؤلاء القوم أنفسهم الذين يعمل على تحسين أحوالهم ويبذل أقصى جهده فى سبيل ذلك يقومون برميه بالحجارة والإساءة إليه ونفيه وعدم إتاحة الفرصة له للحياة الهادئة حتى فى منفاه، وأنه رغم كل ذلك يرفض أن يكف عن السعى لخيرهم؟ هل يمكن لأحد أن يتحمل كل هذا العناء والألم من أجل دعوة السعى لخيرهم؟ هل يمكن لأحد أن يتحمل كل هذا العناء والألم من أجل دعوة مزيفة؟ هل يستطيع أى مدخول غير مخلص ... أن يبدى هذا الثبات والتصميم على مبدئه والتمسك به حتى آخر رمق دون أدنى وجل أو تعثر أمام الأخطار وصنوف التعذيب التى يمكن تصورها وقد قامت عليه البلاد بأكملها وحملت السلاح ضده؟» «٢» .

«إن هذه الإيمان وهذا السعى وهذا التصميم والعزم الذى قاد به محمد- صلّى الله عليه وسلم- حركته حتى النصر النهائى، إنما هو برهان بليغ على صدقه المطلق فى دعوته. إذ لو كانت فى نفسه أدنى لمسة من شك أو اضطراب لما استطاع أبدا أن يصمد أمام العاصفة التى استمرّ أوارها أكثر من عشرين عاما كاملة، هل بعد هذا من برهان على صدق كامل فى الهدف واستقامة فى الخلق وسموّ فى النفس كل هذه العوامل تؤدى لا محالة إلى الاستنتاج الذى لا مفر منه وهو أن هذا الرجل هو رسول الله حقا. هذا هو نبينا محمد- صلّى الله عليه وسلم- إذ كان آية فى


(١) رجال ونساء أسلمو، ٤/ ٢٩- ٣٠.
(٢) نفسه، ٤/ ٣٠.

<<  <   >  >>