للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ول يورانت]

«يبدو أن أحدا لم يعن بتعليم محمد- صلّى الله عليه وسلم- القراءة والكتابة.. ولم يعرف عنه أنه كتب شيئا بنفسه ... ولكن هذا لم يحل بينه وبين قدرته على ما تعرف شؤون الناس تعرفا قلّما يصل إليه أرقى الناس تعليما» «١» .

«كان النبى- صلّى الله عليه وسلم- من مهرة القواد.. ولكنه كان إلى هذا سياسيا محنكا، يعرف كيف يواصل الحرب بطريق السلم» «٢» .

«إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر فى الناس قلنا إن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- كان من أعظم عظاماء التاريخ، فلقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحى، والأخلاقى لشعب ألقت به فى دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح فى تحقيق هذا الغرض نجاحا لم يدانه فيه أى مصلح آخر فى التاريخ كله، وقلّ أن نجد إنسانا غيره حقق ما كان يحلم به..

ولم يكن ذلك لأنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين وكفى، بل لأنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين تدفع العرب فى أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذى سلكوه.. وكانت بلاد العرب لما بدأ الدعوة صحراء جدباء، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان قليل عددها، متفرقة كلمتها، وكانت عند وفاته أمة موحدة متماسكة، وقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية، ودين بلاده القديم، دينا سهلا واضحا قويا، وصرحا خلقيا قوامه البسالة والعزة القومية. واستطاع فى جيل واحد أن ينتصر فى مائة معركة، وفى قرن واحد أن ينشيء دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم فى نصف العالم» «٣» .


(١) قصة الحضارة، ١٣/ ٢١- ٢٢
(٢) نفسه، ١٣/ ٣٨.
(٣) نفسه، ١٣/ ٤٧.

<<  <   >  >>