للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحده فى أحشاء الصحراء.. بين الطبيعة وبين أفكاره» «١» .

«لوحظ على محمد- صلّى الله عليه وسلم- منذ «صباه» أنه كان شابا مفكرا وقد سمّاه رفقاؤه الأمين- رجل الصدق والوفاء- الصدق فى أفعاله وأقواله وأفكاره. وقد لاحظوا أنه ما من كلمة تخرج من فيه إلا وفيها حكمة بليغة. وإنى لأعرف عنه أنه كان كثير الصمت يسكت حيث لا موجب للكلام، فإذا نطق فما شئت من لبّ.. وقد رأيناه طول حياته رجلا راسخ المبدأ صارم العزم بعيد الهمة كريما برّا رؤوفا تقيّا فاضلا حرّا، رجلا شديد الجدّ مخلصا، وهو مع ذلك سهل الجانب لين العريكة، جمّ البشر والطلاقة حميد العشرة حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان على العموم تضىء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق..

وكان ذكى اللب، شهم الفؤاد.. عظيما بفطرته، لم تثقفه مدرسة ولا هذبه معلم وهو غنى عن ذلك.. فأدى عمله فى الحياة وحده فى أعماق الصحراء» «٢» .

«.. ومما يبطل دعوى القائلين أن محمدا- صلّى الله عليه وسلم- لم يكن صادقا فى رسالته.. أنه قضى عنفوان شبابه وحرارة صباه فى تلك العيشة الهادئة المطمئنة مع خديجة- رضى الله عنها- لم يحاول أثناءها إحداث ضجة ولا درى، مما يكون وراءه ذكر وشهرة وجاه وسلطة.. ولم يكن إلا بعد أن ذهب الشباب وأقبل المشيب أن فار بصدره ذلك البركان الذى كان هاجعا وثار يريد أمرا جليلا وشأنا عظيما» «٣» .

« ... لقد كان فى فؤاد ذلك الرجل الكبير- صلّى الله عليه وسلم- ابن القفار والفلوات العظيم النفس، المملوء رحمة وخيرا وحنانا وبرا وحكمة وحجى ونهى، أفكار غير الطمع الدنيوى، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه. وكيف وتلك نفس صامتة كبيرة ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين؟ فبينما نرى آخرين يرضون بالاصطلاحات الكاذبة ويسيرون طبق اعتبارات باطلة. إذ نرى محمدا- صلّى الله عليه وسلم- لم يرض أن يتلفع بالأكاذيب والأباطيل. لقد كان منفردا


(١) نفسه، ص ٥.
(٢) نفسه، ص ٥٠، ٥١.
(٣) نفسه، ص ٥١.

<<  <   >  >>