للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«.. رجل فرد هو لسان السماء. فوقه الله لا سواه. ومن تحته سائر عباد الله من المؤمنين. ولكن هذا الرجل يأبى أن يداخله من ذلك كبر. بل يشفق، بل يفرق من ذلك ويحشد نفسه كلها لحرب الزهو فى سريرته، قبل أن يحاربه فى سرائر تابعيه. ولو أن هذا الرسول- صلّى الله عليه وسلم- بما أنعم من الهدايا على الناس وما تم له من العزة والأيادى، وما استقام له من السلطان، اعتد بذلك كله واعتزّ، لما كان عليه جناح من أحد، لأنه إنما يعتد بقيمة ماثلة، ويعتز بمزية طائلة، يطريه أصحابه بالحق الذى يعلمون عنه، فيقول لهم: لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا عبد الله ورسوله. ويخرج على جماعة من أصحابه فينهضون تعظيما له، فينهاهم عن ذلك قائلا: لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا» «١» .

«ماذا بقى من مزعم لزاعم؟ إيمان امتحنه البلاء طويلا قبل أن يفاء عليه بالنصر وما كان النصر متوقعا أو شبه متوقع لذلك الداعى إلى الله فى عاصمة الأوثان والأزلام.. ونزاهة ترتفع فوق المنافع، وسمو يتعفف عن بهارج الحياة، وسماحة لا يداخلها زهو أو استطالة بسلطان مطاع. لم يفد. ولم يورث آله، ولم يجعل لذريته وعشريته ميزة من ميزات الدنيا ونعيمها وسلطانها.

وحرم على نفسه ما أحلّ لآحاد الناس من أتباعه، وألغى ما كان لقبيلته من تقدم على الناس فى الجاهلية حتى جعل العبدان والأحابيش سواسية وملوك قريش. لم يمكن لنفسه ولا لذويه، وكانت لذويه بحكم الجاهلية صدارة غير مدفوعة، فسوّى ذلك كله بالأرض، أى قالة بعد هذا تنهض على قدمين لتطاول هذا المجد الشاهق أو تدافع هذا الصدق الصادق؟ لا خيرة فى الأمر، ما نطق هذا الرسول عن الهوى ... وما ضلّ وما غوى.. وما صدق بشر إن لم يكن هذا الرسول بالصادق الأمين..» «٢» .

«أى الناس أولى بنفى الكيد عن سيرته من (أبى القاسم) - صلّى الله عليه وسلم- الذى


(١) نفسه، ص ١٧٩- ١٨٠.
(٢) نفسه، ص ١٨٣- ١٨٦.

<<  <   >  >>