للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محمد- صلّى الله عليه وسلم- بأكمله. لقد أوتى أولا موهبة خاصة على رؤية المستقبل. فكان للعالم العربى بفضله، أو بفضل الوحى الذى ينزل عليه حسب رأى المسلمين، أساس فكرى (إيديولوجى) حلت به الصعوبات الاجتماعية، وكان تكوين هذا الأساس الفكرى يتطلب فى نفسه الوقت حدسا ينظر فى الأسباب الأساسية للاضطراب الاجتماعى فى ذلك العصر، والعبقرية الضرورية للتعبير عن هذا الحديث فى صورة تستطيع إثارة العرب حتى أعمق كيانها.. وكان محمد- صلّى الله عليه وسلم ثانيا رجل دولة حكيما. ولم يكن هدف البناء الأساسى الذى نجده فى القرآن، سوى دعم للتدابير الملموسة والمؤسسات الواقعية. ولقد ألححنا خلال هذا الكتاب غالبا على استراتيجية محمد- صلّى الله عليه وسلم- السياسية البعيدة النظر على إصلاحاته الاجتماعية على الظروف المجاورة واستمرارها خلال أكثر من ثلاثة عشر قرنا. وكان محمد- صلّى الله عليه وسلم- ثالثا رجل إدارة بارعا، فكان ذا بصيرة رائعة فى اختيار الرجال الذين يندبهم للمسائل الإدارية. إذ لن يكن للمؤسسات المتينة والسياسة الحكيمة أثر إذا كان التطبيق خاطئا مترددا. وكانت الدولة التى أسسها محمد- صلّى الله عليه وسلم- عند وفاته، مؤسسة مزدهرة تستطيع الصمود فى وجه الصدمة التى أحدثها غياب مؤسسها، ثم إذا بها بعد فترة تتلاءم مع الوضع الجديد وتتسع بسرعة خارقة اتساعا رائعا «١» .

«كلما فكرنا فى تاريخ محمد- صلّى الله عليه وسلم- وتاريخ أوائل الإسلام، تملكنا الذهول أمام عظمة مثل هذا العمل. ولا شك أن الظروف كانت مواتية لمحمد فأتاحت له فرصا للنجاح لم تكن لتتاح لسوى القليل من الرجال غير أن الرجل كان على مستوى الظروف تماما. فلو لم يكن نبيا ورجل دولة وإدارة، ولو لم يضع ثقته بالله ويقتنع بشكل ثابت أن الله أرسله، لما كتب فصلا، مهما فى تاريخ الإنسانية. ولى أمل أن هذه الدراسة عن حياة محمد- صلّى الله عليه وسلم- يمكنها أن تساعد على إثارة الاهتمام، من جديد، برجل هو أعظم رجال أبناء آدم» «٢» .


(١) نفسه، ص ٥١٠- ٥١١.
(٢) نفسه، ص ٥١٢.

<<  <   >  >>