للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان الأنصار يعاملونه على حداثة سنه كزعيم..

وكانوا يقولون: " لو استطعنا أن نشتري لقيس لحية بأموالنا لفعلنا"..

ذلك أنه كان أجرد، ولم يكن ينقصه من صفات الزعامة في عرف قومه سوى اللحية التي كان الرجال يتوّجون بها وجوههم.

فمن هذا الفتى الذي ودّ قومه لو يتنازلون عن أموالهم لقاء لحية تكسو وجهه، وتكمل الشكل الخارجي لعظمته الحقيقية، وزعامته المتفوقة..؟؟

انه قيس بن سعد بن عبادة.

من أجود بيوت لعرب وأعرقها.. البيت الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام:

" ان الجود شيمة أهل هذا البيت"..

وانه الداهية الذي يتفجر حيلة، ومهارة، وذكاء، والذي قال عن نفسه وهو صادق:

" لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب"..!!

ذلك أنه حادّ الذكاء، واسع الحيلة، متوقّد الذهن.

ولقد كان مكانه يوم صفين مع علي ضدّ معاوية.. وكان يجلس مع نفسه فيرسم الخدعة التي يمكن أن يؤدي بمعاوية وبمن معه في يوم أو ببعض يوم، بيد أنه يتفحص خدعته هذه التي تفتق عنها ذكاؤه فيجدها من المكر السيء الخطر، ثم يذكر قول الله سبحانه:

(ولا يحيق المكر السوء الا بأهله) ..

فيهبّ من فوره مستنكرا، ومستغفرا، ولسان حاله يقول:

" والله لئن قدّر لمعاوية أن يغلبنا، فلن يغلبنا بذكائه، بل بورعنا وتقوانا"..!!

ان هذا الأنصاري الخزرجي من بيت زعامة عظيم، ورث المكارم كابرا عن كابر.. فهو ابن سعد بن عبادة، زعيم الخزرج الذي سيكون لنا معه فيما بعد لقاء..

وحين أسلم سعد أخذ بيد ابنه قيس وقدّمه الى الرسول قائلا:

" هذا خادمك يا رسول الله"..

ورأى لرسول في قيس كل سمات التفوّق وأمائر الصلاح..

فأدناه منه وقرّبه اليه وظل قيس صاحب هذه المكانة دائما..

<<  <   >  >>