للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهؤلاء الثلاثة لا يصلح أن يدخلوا في مرتبة الصدوق التي يحتج بحديثه في الجملة بدلالة أن مسلمًا قال في أحدهم وهو يزيد بن أبي زياد: (هو ممن اتقى حديثه الناس، والاحتجاج بخبره إذا تفرد للذين اعتبروا عليه من سوء الحفظ في رواياته التي يرويها) (١) .

وبما تقدم يتضح لنا أن الصدوق داخل عند مسلم في القسم الأول من الرواة الذين احتج بهم فتشملهم كلمة "الثقة" التي قالها مسلم في سياق كلامه عن الاكتفاء بالمعاصرة.

ومما يؤكد ما تقدم أن الإمام الحجة عبد الرحمن بن مهدي قال: (احفظ عن الرجل الحافظ المتقن فهذا لا يختلف فيه، وآخر يهم والغالب على حديثه الصحة فهذا لا يترك حديثه، ولو ترك حديث مثل هذا ذهب حديث الناس، وآخر يهم والغالب على حديثه الوهم فهذا يترك حديثه - يعني لا يحتج بحديثه -) (٢) .

وقد احتج مسلم في "صحيحه" ببعض المحدثين الذين خف ضبطهم، ولم يكونوا من أهل الضبط التام، مثل حماد بن سلمة، وسهيل بن أبي صالح، والعلاء بن عبد الرحمن، ولكنه انتقى من أحاديثهم ما صح عنده وتجنب ما أخطأوا فيه، قال الخليلي في العلاء بن عبد الرحمن: (مديني مختلف فيه لأنه ينفرد بأحاديث لا يتابع عليها كحديثه عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان". وقد أخرج مسلم في "الصحيح" المشاهير من حديثه، دون هذا، والشواذ) (٣) .

وليس المقصود في هذا المقام ما صنع مسلم في "صحيحه"، وكيف كان منهجه فيه، وإنما بيان أن كلمة "الثقة" الواردة في سياق كلام مسلم تعني الراوي المحتج بحديثه من حيث العموم، ولا تعني الحافظ المتقن فقط.


(١) التمييز (ص٢١٥) بتصرف يسير.
(٢) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٢/٣٨) ، وفي تهذيب الكمال (١/١٦٢) تحقيق د. بشار معروف. قال ابن مهدي: (المحدثون ثلاثة: رجل حافظ ... ) .
(٣) الإرشاد (١/٢١٨-٢١٩) .

<<  <   >  >>