للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإرسال الخفي أقبح وأشنع من التدليس كما قاله ابن عبد البر في التمهيد (١) ، ونحوه ليعقوب بن شيبة انظر فتح المغيث (ص٧٤-٧٥) ، وعليه فالثقة أشد بعدًا عنه تدينًا وخوفًا من نقد النقاد كما مر.

فإذا اتهمتم الثقة به من غير أن يوصف به لزمكم من باب أولى اتهام الثقة بالتدليس، وإن لم يوصف به. فإن قيل: لعل السامع يكون عالمًا لعدم اللقاء فلا إيهام فلا إرسال خفيًا. قلنا: وكذلك لعل السامع يكون عالمًا بعدم السماع مطلقًا أو لذلك الحديث فلا إبهام فلا تدليس.

والتحقيق أنه لو كان الراوي يعلم بعدم اللقاء أو عدم السماع وهو ثقة غير مدلس لبينه لمن يأخذ عنه، ولو فرض أن الثاني كان عالمًا بذلك فاستغنى عن التبيين فيلزم الثاني أن يبينه للثالث وهكذا.

فإذا جاءنا الحديث من رواية الثقات غير الموصوفين بالتدليس والإرسال الخفي إلى ثقة كذلك روى بالعنعنة عمن عاصره وأمكن لقاؤه له، ولم ينص أحد من رجال السند، ولا غيرهم على عدم اللقاء؛ فهو كما إذا جاءنا الحديث من رواية الثقات غير الموصوفين بالتدليس إلى ثقة كذلك روى بالعنعنة عمن لقيه وأمكن سماعه لذلك الحديث منه، ولم ينص أحد من رجال السند أو غيرهم على عدم السماع.

ففي قبول الأول احتمال اللقاء والسماع، وفي رده اتهام الثقة بإيهام اللقاء والسماع قبول الثاني احتمال السماع فقط، وفي رده اتهام الثقة بإبهام السماع فقط فهذه بتلك.

فإذا لاحظنا قلة الإرسال الخفي في السلف، واعتيادهم للإسناد، وخوفهم من نقد النقاد كان الأمر واضح. فكيف إذا اعتبرنا القرائن الدالة على اللقاء كما سبق بيانها أول البحث) (٢) .

الدليل السادس: ذكره الشيخ عبد الفتاح أبوغدة على سبيل الإلزام لمن


(١) انظر التمهيد (١/١٥) ، وابن عبد البر نقل كلامًا لغيره وليس له وانظر التمهيد (١/١٦-١٧) .
(٢) عمارة القبور (ل٨٥- ٨٧) .

<<  <   >  >>