للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن برئت جراحة الأول قبل قطع الثانى فالأول جارح والثانى قاتل دون خلاف، وإن كان القطع الثانى قبل بُرءْ القطع الأول فيرى الشافعى وأحمد أن الاثنين قاتلان؛ لأن جرح كل منهما قاتل وحده والألم الحاصل بالجرح الأول انضم إلى الألم الحاصل بالجرح الثانى وتكامل به، فكان الموت مضافًا إليهما، ومن أصحاب هذا الرأى زفر. ويرى أبو حنيفة وباقى أصحابه أن القاتل هو الثانى (١) لأن السراية باعتبار الآلام المترادفة التى لا تتحملها النفس إلى أن يموت وقطع اليد من المرفق يمنع وصول الألم من القطع السابق إلى النفس فكان قطعًا للسراية فبقيت السراية مضافة إلى القطع الأخير. ويرى مالك أنه إذا كان القطع الثانى عقب القطع الأول فهما قاتلان وإن عاش بعد القطع الأول حتى أكل وشرب ثم مات عقب الثانى مباشرة فالقاتل هو الثانى وإن عاش بعدهما حتى أكل وشرب فللأولياء أن يقسموا على أيهما ويقتصوا منه (٢) .

وإن رماه أحدهما من شاهق فتلقاه آخر بالسيف فقدَّه أو ألقى عليه صخره فأطار آخرُ رأسهَ قبل أن تصل الصخرة فيرى أحمد أن القصاص على الثانى لأن الرمى سبب والقتل مباشرة، فقطعت المباشرة حكم السبب، ويرى الشافعى مثل هذا إن رماه من مكان يجوز أن يسلم منه، أو ألقى عليه صخرة يمكن أن يسلم منها أما إن كان عمل الأول لا تمكن السلامة فيه فالبعض يرى كليهما مسئولاً عن القتل لدخول المباشرة مع السبب، ويرى البعض أن الثانى هو القاتل والرأى الأخير هو المتفق مع القانون؛ لأنه يعتبر الأول شارعًا فى قتل والثانى قاتلاً ما لم يكن بينهما اتفاق أو توافق على القتل فكلاهما يعتبر قاتلاً، وإن ألقاه فى لُجة لا يمكن الخلاص منها فالتقمة حوت فالرامى قاتل لأنه ألقاه فى مهلكة يهلك بها دون واسطة يمكن إحالة الحكم عليه كما يرى البعض، ويرى البعض أن الهلاك ليس سببه فعل الرامى، فأما إن ألقاه فى ماء يسير فأكله سبع أو التقمه


(١) البدائع ج٧ ص٣٠٤.
(٢) الشرح الكبير ج٧ ص٣٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>