للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان فقهاء الشريعة لم يضعوا نظرية منظمة عن الشروع فى الجرائم كما فعل شراح القوانين فليس معنى ذلك أن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين الجريمة التامة والشروع فيها، إذ الواقع أنها فرقت بين الجريمة التامة والشروع من وقت نزولها، حيث جعلت التعزير فى نوعين من الجرائم؛ فجعلته أولاً فى كل جريمة لم يشرع فيها حد وجعلته ثانيًا فى كل جريمة شرع فيها حد إذا كانت الجريمة لم تتم؛ لأن الحد شرع فقط للجريمة التامة فيبقى ما دون التمام لعقوبة التعزير.

فمثلاً جريمة الزنا من جرائم الحدود وحدها الرجم للمحصن والجلد لغير المحصن، وهى لا تتم إلا بالوطء، ومعناه دخول الحشفة أو قدرها فى الفرج، فإذا لم تتم الجريمة على هذا الوجه فلا رجم ولا جلد، وكانت العقوبة التعزير فيما دون الوطء؛ أى فيما دون تماما الجريمة.

وجريمة السرقة حدها القطع، وهى لا تتم إلا بإخراج المال من حرزه، فإذا ضبط المتهم قبل إخراج المال من الحرز عُزِّر ولم يقطع؛ لأن القطع لا يكون إلا بتمام الجريمة وهى لم تتم.

وكذلك جريمة القتل وحدها القصاص، ولا تتم إلا بفعل من الجانى يقع على المجنى عليه ويكون من شأنه إحداث الوفاة، فإذا بدأ المتهم جريمته وخاب أثرها لسبب لا دخل لإرادته فيه وجب التعزير. أما إذا أصيب المجنى عليه وشفى من إصابته فالفعل لا يعتبر فى الشريعة جريمة لم تتم، أو بتعبير آخر شروعًا فى قتل وإنما يعتبر جرحًا؛ لأن فعل الجانى كوّن جريمة تامة مستقلة هى جريمة الجرح، ولهذه الجريمة عقوبة خاصة فى حالة العمد هى القصاص كلما أمكن ذلك أو الدية فليس إذن ثمة ما يدعو لاعتبار الفعل جريمة لم تتم وتعزير الجانى عليه.

وقد أخذ القانون المصرى كغيره من القوانين الوضعية بهذه الطريقة فى جرائم الضرب، فإذا لم ترك الضرب عاهة مستديمة أو لم يؤد لوفاة المجنى عليه، فلا يعتبر الجانى شارعًا فى إحداث عاهة أو ضرب مفض لموت وإنما يعتبر ضاربًا أو جارحًا؛ لأن القانون يعتبر الضرب والجرح جريمة مستقلة أدنى مرتبة من إحداث العاهة والضرب المفضى للموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>