للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك حق لا ريب فيه، إذ لا معنى لهذا إلا إبطال القانون السماوي، والقضاء على العدل والنظام فلو لم ينفذ القانون على القوي والضعيف بنسبة واحدة، لكان ذلك تحريضاً للقوي على انتهاك حرمات الضعيف، والعدوان عليه، وهو. أمن من العقاب. فإذا فرض وقوي الضغيف كان من حقه أن ينتقم لنفسه، ومن أمن من وقوع العقاب عليه ويعتدي على غيره وهو آمن أيضاً، وهلم جرا. وذها هو عين الفوضى المقوضى لدعائم العمران، الموجبة لهلاك الأمم وفنائها.

[ما يؤخذ من الحديث]

-ويؤخذ من هذا الحديث، أنه لا يحل لحاكم أن يقبل الشفاعة في حد من حدود اللَّه تعالى (الآتي بيانها) كما لا يحل لأحد أن يشفع عن مجرم في حد وصل إلى الحاكم. وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء.

أما قبل وصول الأمر إلى الحاكم. فإن الشفاعة تصح كما يصح العفو، بشرط أن يكون مستحق العقوبة غير معروف بالجرائم، أما إذا كان من المعتادين على إذاء الناس، أو كان من الأشرار الذين لا يصلحهم العفو، فإنه يجب أن يرفع أمره إلى الحاكم ليوقع عليه الحد الذي يزجره عن ارتكاب الجريمة. فإن سرق شخص من آخر ولم تكن فيه عادة له من قبل، وظن الشفيع أن العفو عنه لا يغريه، فإن له أن يشفع فيه، وللمعتادى عليه أن يعفو عنه، وإلا فلا يحل له العفو عنه.


زيد ينتظره. فجاء غلام أسود أفطس، فقال أهل اليمن: إنما حسبنا من أجل هذا؟ قَالَ: فلذلك كفر أهل اليمن من أجل هذا. قَالَ يزيد بن هارون: (يعني ردتهم أيام أبي بكر الصديق رضي اللَّه تعالى عنه) .
ولقد كان سيدنا عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة يعرفون مكانة أسامة بن زيد عند رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، ولما فرض عمر بن الخطاب للناس فرض لأسامة خمسة آلاف، ولإبن عمر ألفين، فقال ابن عمر: فضلت علي أسامة، وقد شهدت ما لم يشهد؟ فقال: إن أسامة كان أحب الناس إلى رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عليه وعلى آله، من أبيك) .
ومع هذه المكانة الرفيعة التي كانت لأسامة بن زيد في نفس الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه رد شفاعته، ولم يقبلها، بل غضب عليه، وظهر أثر الغضب على وجهه صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، كعادته عند انتهاك حرمات اللَّه تعالى، حتى ظن سيدنا أسامة رضي اللَّه عنه أنه قد ارتكب ذنباً يعاقبه اللَّه عليه بسبب هذه الشفاعة، فتضرع إلى الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أن يستغفر له مما وقع فيه من الإثم عسى أن يغفر اللَّه له ويرحمه، كما ورد في الرواية الثانية.
كل هذه الأدلة والبراهين التي وردت في الحديث تدل دلالة صريحة على مقدار حرص

<<  <  ج: ص:  >  >>