للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رحمة الشريعة بالمفسدين]

-وايضاً فقد رأينا في زمن من الأزمنة اضطراب حبل الأمن في البلاد المقدسة اضطراباً شديداً، فلما نفذ فيهم حكم الله تعالى وقطعت ايدي بعض السارقينن لم تلبث الجريمة أن اختفت، وحل محالها الأمن والطمأنينة.

على أن الذي يتأمل في المثالين المذكورين، يدرك أن شدة العقوبة، إنما هي في ظاهر المر، أما في الواقع فهي رحمة بالسارقين فاسدي الأخلاق، فإنهال قد زجرتهم فعلاً، وأوقفتهم عند حدهم، فتركوا هذه الجريمة المؤذية للمجتمع شر إيذاء.


بالباطل} وقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيبة من نفسه) ولأنه اجتمع في السرقة حقان، حق الله تعالى، وحق للآدمي فاقتضى كل من حق موجبه، ولأنه اتفقت آراء العلماء على أنه إذا كان الشيء المسروق موجوداً بعينه رد إلى صاحبه، فيكون إذا لم يوجد في ضمانه، قياساً على سائر الأموال الواجبة. ولآنه أتلف مالاً مملوكاً عدواناً فيضمن مثل الغصب ولا منافاة هنا بين هذين الحقين لنهما بسببين مختلفين أحدهما حق الله، وهو النهي عن هذه الناية الخاصة، والآخر حق الفرد فيقطع حقاً لله، ويضمن حقاً للعبد، وصار كاستهلاك صيد مملوك في الحرم، فيجب الجزاء حقاً لله تعالى، ويضمن حقاً للعبد، وكشرب خمر الذمي، فإنه يحد حقاً لله، ويغرم قيمتها حقاً للذمي، ولما روي ان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن التمر المعلق فقال: (من أصاب بغية من ذي حاجة غير متخذ خبنة، فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه الغرامة والعقوبة) الحديث اهـ.
من وجد رجلاً داخل الدار
الحنفية رحمهم الله قالوا: لو وجد في داره أجينباً فقتله، ثم قال: إن هذا لص دخل على داري ليأخذ مالي، ولم أستطع رده إلا بقتله، ينظر في الرجل المقتول فإن كان معروفاً بالفساد واللصوصية فلا قود عليه، وكان على القاتل دفع الدية إلى اهله، وان لم يكن معروفاً بالفساد واللصوصية، فعلى القاتل القود، ولا يقبل دعولاه إلا ببينة.
المالكية، والشافعية والحنابلة رحمهم الله - قالوا: أنه يجب على القاتل القصاص، إلا أن يأتي ببينة على صدق دعواه، ولا ينظر إلى حالة الرجل المقتول وسلوكه، وذلك حتى نقفل باب الفساد من هذا الطريق، فإنها ثغرة يلجأ إليها ضعاف الايمان لإزهاق النقوس، فربما يطلب الشخص رجلاً لعمل شيء في داره، أو لضيافته ثم يعتدي عليه ويغتالهن لودو ضغينة في نفسه، ويدعي عليه أنه دخل الدار للسرقة فقتله. وقتل المؤمن من أكبر الكبائر عند الله تعالى فيجب أن يسد كل باب يكون سبباً في إزهاق روحه.
إذا ملك المسروق قبل القطع
الحنفية قالوا: إذا قضى الحاكم على رجل بالقطع في سرقة، فوهبها له المالك، وسلمها إليه،

<<  <  ج: ص:  >  >>