للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مبحث عناية الشريعة بدماء الناس]

-وقد عنيت الشرعة الإسلامية بالمحافظة على دماء الناس عناية تامة، فددت الجناة الذين يعتدون على دماء الناس تهديداً شديداً (١)

ويكفي في زجر المسلم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر، قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها، وغضب الله عليه، ولعنه، وأعدّ له عذاباً عظيماً} فإن في هذه الآية من الشدة ما تقشعر له جلود العتادة، إن كانوا مسلمين.


وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً إذ أكب عليه رجل، فطعنه رسول الله بعرجون كان معه، فصاح الرجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعال فاستقد) قال: بل عفوت يا رسول الله، وروى أبو داود الطيالسي عن أبي فراس قال: خطب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فقال: إلا من ظلمه أميره فليرفع ذلك إلي أقيده منه، فقام عمرو بن العاص فقال: يأمير المؤمنين، لئن أدب الرجل منا رجلاً من أهل رعيته، لتقصنه منه؟ قال: كيف لا أقصه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه) ؟
ولفظ أبي داود السجستاني عنه قال: خطبنا عمر بن الخطاب فقال: إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم فمن فعل ذلك به فليرفعه إلي أقصه منه) وذكر الحديث بمعناه) .
-

(١) (لقد جعل الله عقوبة قتل النفس من أفظع العقوبات، وجعل القضاء بها من أعظم المظالم فيما يرجع إلى العباد، وجعل الحساب عليها أول القضاء يوم القيامة. فعن أبي مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) ، رواه البخاري ومسلم، أي في الأمر المتعلق بالدماء.
وقتل النفس من الموبقات المهلكات، ومن أكبر الكبائر، فقد روى أبو هريرة الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات: قيل يا رسول الله: وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسمحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
واعتبر الشارع أن للمسلم لا يزال في سعة منشرح الصدر، فإذا أراق دم امرىء مسلم صار منحصراً ضيقاً لما أوعد الله عليه مالم يوعد على غيره من دينه، فيضيق عليه دينه بسبب الوعيد لقاتل النفس عمداً بغير حق.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دماً حراماً) ، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله) رواه البخاري رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>