للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الجواب عن السؤال الثاني]

-إن الموبقات المذكورة في الحديث معنهاها المهلكات، وهي مودبة للهلاك الدنيوي والأخروي، لا محالة، ولكن الحديث الذي معنا لم ينص على كل الموبقات. بل هنالك موبقات ذكرت في الأحاديث الصحيحة الأخرى، وقد حصرها بعض العلماء في إحدى وعشرين، منها السبع المذكورة في الحديث الشريف.


وأما التولي يوم الزحف فهو من أكبر الكبائر، وأفحش الأمور. لأنه يدل على الجبن. والضعف والخور، وافسلام يربي المسلم على الشجاعة والثبات والعزة، ولأن الفرار أمام الأعداء عند اللقاء يسلب الأمة عزتها وكرامتها وشرفها، ويجعل السلطة لأعداء الإسلام والدين، وذلك موت أدبي للأمة فإما أن نعيش كراماً أعزاء، وإما أن نموت أحراراً شهداء، والاستشهاد في سبيل الله والوطن حياة كريمة، قال تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل أمحياء عند ربهم يرزقون} لهذا أمرنا الله تعالى بالثبات أمام الأعداء مهما كانت عدتهم، وقدرتهم، ونهانا عن الفرار من الزحف وعده من أعظم الكبائر التي تجلب غضب الله تعالى، وتحبط الأعمال، وتودي بصاحبها في نار جهنم وبئس القرار فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال، أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير} وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون} .
فأمر الله المجاهدين بالصبر والثبات أمام الأعداء، لأن التولي فيه إضعاف لصفوف المسلمين، وتثبيط لعزائم المقاتلين، وإحداث فرقة بين صفوفهم، وفي ذلك صد عن سبيل الله عز وجل وتقوية للعدو، وكفى بذلك إثماً وعاراً في الدنيا والآخرة، لذلك أمرنا بالصبر وذكر الله تعالى أنه يعاقب الفارين بأشد أنواع العذاب. وأنه يكرم الشهداء في سبيله أعظم أنواع الإكرام والعزة.
وأما قذف المحصنات المؤمنات الغافلات فهو من أعظم الكبائر التي نهى عنها الشارع الحكيم.
فقال تعالى: {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم} فإن مقاصد الشرع الحكيم حفظ أعراض المسلين، وصون الشرف لصاحبه، والاحتفاظ بالكرامة، ووضع سياج منيع لعزة النفس، كان من مقتضى حكمته تبارك وتعالى أن سن التشريع الزاجر للنفوس الجامحة التي قد يدفعها الغضب إلى أن تصيب الناس في كرامتهم، وتخدش شرفهم، وتنكس رؤوسهم، والشرف أعز عزيز لدى المؤمن الغيور، فإن القتل أهون على المؤمن من ضياع شرفه وإهدار كرامته، وما قيمة الحياة لإنسان بغير كرامة وعزة، من أجل ذلك فرض الله تعالى حد القذف الرادع الكفيل بصيانة الأعراض وحفظ الكرامات، وإنما خص القذف بالرمي بالزنى، لأن فيه من العار بدناءة النفس، وهتك الستر، وافتضاح السوءات وانتهاك الحرمات، والدلالة على عدم الغيرة الذي هو من خصائص أخس الحيوانات، ما قارف به كل المربقات. فإن كان الرمي امرأة، كان في

<<  <  ج: ص:  >  >>