للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مبحث خيار الرؤية وبيع الغائب]

قد علمت مما تقدم أنه يشترط لصحة البيع أن يكون المبيع والثمن معلومين للبائع والمشتري، فلا يصح بيع المجهول جهالة تفضي إلى التنازع بين المتبايعين، وغرض الشريعة السمحة من ذلك حسن جميل، لأنها إنما تريد القضاء على تفشي الخصومات ما بين الناس، وقطع التنازع والشقاق من بينهم. فلهذا قضت بفساد عقود البيع التي من شأنها إثارة التنازع والخصومات، وهذا القدر متفق عليه بين أئمة المذاهب الأربعة كما تقدم في شرائط البيع، ولكنهم قد اختلفوا في بعض الصور التي لم يكن المبيع فيها واضحاً من جميع جهاته، والتي يكون فيها المبيع مجهولاً ولكن يمكن القضاء على التنازع بسبب آخر، ومن ذلك بيع الغائب المقترن بخيار الرؤية، فإن معظمهم على صحته على تفصيل موضح في أسفل الصحيفة

(١) .


تقدم فيما إذا حدث عيب جديد في المبيع وهو عند المشتري ثم تبين أن به عيباً قديماً فإنه في هذه الحالة لا يكون للمشتري الرد قهراً، ويكون في المسألة ثلاثة أوجه: أحدها: أن يرضى البائع بأخذ المبيع بدون تعويض عن العيب الحادث. ثانيها: أن يرضى المشتري بإمساكه بدون تعويض عن العيب القديم، فإن اتفقا على ذلك فهو جائز. ثالثها: أن يختلفا فيطلب أحدهما فسخ العقد والآخر إجازته، وفي هذه الحالة ينفذ رأي من طلب الإجازة، ويكون على البائع دفع التعويض عن العيب القديم.
الصورة الرابعة: أن يدل حال العيب على أنه قديم كما إذا كان بالمبيع أثر شجة مندملة ولم يمض على المبيع سوى يوم واحد مثلاً، فإنه لا يتصور أن تكون قد وجدت الشجة واندملت على المشتري، وفي هذه الحالة يكون القول للمشتري بلا يمين.
الصورة الخامسة: أن يدل حال العيب على أنه حادث كجرح جديد لم يجف، والبيع والقبض قد مضى عليه زمن طويل، وفي هذه الحالة يكون القول للبائع بلا يمين

(١) الشافعية - قالوا: لا يصح بيع الغائب عند رؤية العائدين أو أحدهما، سواء كان المبيع غائباً عن مجلس العقد رأساً، أو موجوداً به ولكنه مستتر لم يظهر لهما، ولا فرق في ذلك بين أن يوصف بصفة نبين جنسه كأن يقول: بعتك إردباً من القمح الهندي، أو القمح البلدي، أو لا، كأن يقول: بعتك إردباً من القمح ولم يذكر أنه هندي أو بلدي، فإنه ما دام غائباً عن ريتهما فإن بيعه لا يصح عل أي حال، وهذا القول هو الأظهر عندهم. وهناك قول آخر خلاف الأظهر، وهو أن يصح بيع الغائب إن علم جنسه بوصف يبينه كما في المثال الأول، والقول الثاني موافق لما ذهب إليه الأئمة الثلاثة من صحة بيع الغائب المعلوم جنسه بالوصف على أن يكون للمشتري الخيار في رده عند رؤيته كما ستعرفه من التفصيل الآتي.
ورؤية المبيع عند الشافعية تكفي عن شمه وذوقه فيما يذاق ويشم، كالعسل والسمن والفاكهة

<<  <  ج: ص:  >  >>