للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحجر بسبب الدين]

ويحجر على المدين في تصرفاته المالية حتى لا تضيع على الناس حقوقهم وأموالهم التي استدانها منهم، وفي ذلك تفصيل مبين في المذاهب (١) .


وإذا أقر لغيره فمال فإن إقراره يصح، ولكن لا يلزمه ما أقر به في حال حجره، بل يلزمه بعد فك الحجر عنه، إذا علم الولي صحة إقراره بذلك الدين فإنه يلزمه أن يدفعه.
وعلى الولي أن ينفق عليه من مال بما هو متعارف بين الناس، وكذلك على من تلزمه مؤونته من زوج ونحوها وحكم ولي السفيه كحكم ولي المجنون المتقدم
(١) الحنفية - قالوا: كما أن السفه بالمعنى المتقدم سبب من أسباب الحجر. فكذلك الدين والغفلة، فأما الدين الذي يحجر به فهو: أن يستدين الشخص ديوناً تستغرق أمواله "وتزيد عنها" فيطلب الدائنون الذين لهم هذه الديون من القاضي أنيحجر عليه، كي لا يتصرف في ماله الذي تحت يده فتضيع على الدائنين أموالهم، والحجر لا يكون إلا للقاضي، فمتى وضع عليه الحجر فلا يصح له أن يتصرف في ماله بصدقة أو هبة أو إقرار بمال لمن له عليه دين غير من حجر عليه بطلبهم. ولكنه يعامل بإقراره هذا بعد فك الحجر عنه. ويصح الحجر على المديون ولو كان غائباً ولكن يشترط لعدم نفاذ تصرفه علمه بالحجر "إعلانه" فإذا لم يعلم به وتصرف فإن تصرفه يقع صحيحاً.
وللقاضي أن يبيع مال المحجور عليه بالدين لسداد الدائنين إذا امتنع من بيعه ويقسم بينهم بحسب حصة كل واحد في الدين.
وإذا تزوج المحجور عليه بسبب الدين صح تزوجه، وللمرأة أن تشترك مع الدائنين في مهر المثل، أما ما زاد على المثل فإنه يكون ديناً في ذمته.
وللدائنين أن يلازموا المدين فيذهبوا معه حيث ذهب، ولكن ليس لهم منعه من السفر ولا حبسه بمكان خاص وللقاضي أن يحبس المدين بدينه في كل دين التزمه بعقد كالمهر والكفالة فإذا حبسه شهرين أو ثلاثة أشهر ولم يظهر له مال في خلال ذلك فإنه يطلق سراحه، وإن أقام البينة على أن لا مال له خلى سبيله لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} وتقبل البينة على الإعسار بعد الحبس فيطلق القاضي سراحه إذا شهد الشهود بأنه معسر.
ولا يضرب المحبوس بالدين، ولا يغل بقيد، ولا يخوف، ولا يجرد؛ ولا يكلف بالوقوف بين يدين صاحب الدين إهانة له، ولا يؤجر، ولكن يقيد إذا خيف هربه، ولا يخرج المدين لجمعة، ولا عيد، ولا حج، ولا لصلاة مكتوبة، ولا لصلاة الجنازة، ولا عيادة مريض ويحبس في موضع وحش لا يبسط له فرش ولا يدخل عليه أخذ ليستأنس به، وكفى بذلك زجراً للناس عن الديون والتورط فيها، لأن شريعتنا السمحة تجعل لصاحب الدين سلطاناً على المدين في هذا الموقف الحرج. وقد عرفت أن هذا هو المختار المفتى به من مذهب الحنفية، أما الإمام فإنه يقول: لا يحجر على الحر البالغ بسبب

<<  <  ج: ص:  >  >>