للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَى دواهٍ وخطوب مختلِفة. وهو بمنزلة عباديد فى أَنَّه لم يستعمل واحدُه. وقال رجل من كلب:

لَحَى الله دهرا شرُّه قبل خيره ... تقاضى فلم يُحسن إِلينا التقاضيا

وقال يحيى بن زياد:

عَذِيرىَ من دهر كأَنى وتَرْته ... رهين بحبل الوُدّ أن يتقطَّعا

فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذمّ الدّهر، وبيّن لهم أَنَّ الطَّوارق الَّتى تنزِل بهم مُنْزلها الله عَزَّ سلطانه دون غيره، وأَنَّهم متى اعتقدوا فى الدّهر أَنَّه هو المُنْزِل ثمَّ ذمّوه كان مرجع المذمّة إِلى العزيز الحكيم، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً. والَّذى يُحقِّق هذا الموضع ويَفصل بين الرّوايتين هو قوله "فإِنَّ الدّهر هو الله" حقِيقتُه: فإِن جالبَ الحوادث هو الله لا غيره، فوضع الدّهر موضع جالب الحوادث، كما تقول: إِن أَبا حنيفة أَبو يوسف، تريد أَنَّ النهاية فى الفقه هو أَبو يوسف لا غيره، فيضع أَبا حنيفة موضع ذلك لشهرته بالتناهى فى فقهه، كما شُهِر عندهم الدهر بجَلْب الحوادث. ومعنى الرّواية الثانية: إِنَّ الله هو الدّهر، فإِنَّ الله هو الجالب للحوادث. لا غيره الجالب، ردّا لاعتقادهم أَنَّ الله ليس مِن جَلْبها فى شئ وأَنَّ جالبها هو الدّهر، كما لو قلت إِنَّ أَبا يوسف أَبو حنيفة كان المعنى أَنَّه النِّهاية فى الفقه لا المتقاصر. "هو" فصل أَو مبتدأُ خبره اسم الله أَو الدّهر فى الرّوايتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>