للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه وهواها، وقولِ مقلَّده وشيخه وطائفته. وههنا توحشك النَّاس كلّهم إِلاَّ الغرباء فى العالم. فإِيّاك أَن تستوحش من الاغتراب والتفرّد، فإِنَّه - والله - عين العزِّ والصّحبة مع الله تعالى ورسوله، وروح الأُنس به، والرضا به ربًّا وبمحمد رسولاً وبالإِسلام دينا. بل الصّادق كلَّما وجد سرّ الاغتراب وذاق حولاته وتنسّم رَوْحه قال: اللهم زدنى اغترابًا أَو وحشةً في العالمَ وأُنْساً بك. وكلَّمَا ذاق حلاوة هذا الاغتراب والتفرّد رأَى الوحشة عين الأُنْس بالنَّاس، والذلَّ عين العِزَّ بهم، والجهل عين الوقوف مع آرائهم وزُبالة أَذهانهم، والانقطاع عين التعبُّد برسومهم وأَوضاعهم، فلم يُؤثر بنصيبه من الله أَحدًا من الخلق، ولم يَبعْ حَظَّه من الله بموافقتهم فيما لا يُجدى عليه إِلاَّ الحرمان. وغايته مودَّة بينهم فى الحياة الدُّنيا. فإِذا انقطعت الأَسباب، وحَقَّت الحقائق، وبُعْثر ما فى القبور، وحُصِّل ما فى الصُّدور، تبيَّنَ له حَدُّ مواقع الرِّبح من الخسران. والله المستعان.

والتحقيق فى المسأَلة: أَنّ الرّضا كسبىّ باعتبار سببه، وَهْبىّ باعتبار حقيقته، فيمكن أَن يقال بالكسب لأَسبابه، فإِذا تمكَّن فى أَسبابه وغَرَس شجرته اجتنى منها ثمرة الرِّضا أَخو التَّوكُّل. فمن رسخ قَدَمُه فى التوكُّل والتسليم والتفويض حصل له الرّضا ولا بدّ، ولكن لعزَّته وعدم إِجابة أَكثر النُّفوس له وصعوبته عليها لم يوجبه الله على خَلْقه رحمة

<<  <  ج: ص:  >  >>