للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثامن: أن المشابهة في الظاهر توجِبُ (١) نوع محبةٍ ومودَّةٍ وموالاة الباطن، كما أن المحبَّة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، حتى إن الرجلين إذا كانا من بلد واجتمعا في بلد غربةٍ، كان بينهما من المودَّة والائتلاف أمر عظيم، وإن كانا في مِصْرهما (٢) غير متوادَّيْن أو متعارِفَيْن؛ لأن الاشتراك في البلد فيه نوع اختصاص عن بلد الغربة.

بل لو كان بين الرجلين مشابهة في العمامة أو اللبسة (٣) أو المركوب؛ لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما. وكذلك أربابُ الصناعات، تجد بينهم المؤالفة والموافقة إذا كانوا من نوعٍ واحدٍ أكثر مما بين من يُباينهم من الملوك أو الأمراء مثلًا.

هذا في الأمور الدنيوية فكيف بالأمور الدينيَّة؟! فإن إفضاءها إلى نوعٍ من الموالاة أشدّ، والموالاةُ لأعداء الله تُنافي الإيمان، فإن الإيمان بالله ورسوله يوجب عدم ولاية أعداء الله ورسوله، فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان؛ لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم، {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢]. والمشابهة الظاهرة مظنة الموادَّة، فتكون محرَّمة، ووجوه الفساد في مشابهتهم كثيرة، فلنقتصر على ما نبَّهنا عليه، ففيه كفاية إن شاء الله تعالى، وبالله المستعان.

* * *


(١) في هامش الأصل: "تورث" وهو كذلك في "الاقتضاء".
(٢) في "الأصل": "مصرهم" والمثبت أصح.
(٣) في "الاقتضاء": "الثياب".

<<  <   >  >>