للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لولا خوف الافتراض لخرج إليهم (١) .

فلما كان في عهد عمر -رضي الله عنه- جمعهم على قاريءٍ واحدٍ وأسْرَج المسجد، فصارت هذه الهيئة -وهو اجتماعهم في المسجد على إمامٍ واحدٍ مع الإسْراج- عملًا لم يكونوا يعملونه من قبل، فسمِّي بدعة؛ لأنه في اللغة يُسَمَّى بذلك، ولم يكن بدعة شرعية؛ لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وقد زال خوفُه بموت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وهكذا جمع القرآن، فإن المانع من جمعه على عهده هو: أن الوَحْيَ كان ينزل، فينسخُ اللهُ ما يشاء، فلما أُمِنَ ذلك جُمِعَ في مصحفٍ واحدٍ وإن سُمِّي في اللغة بدعة، فإن المقتضي لجمعه وهو حفظه كان موجودًا في زمنه، لولا ما عارضَه من احتمال تغييره وزيادتِه ونقصِه، فلما أُمِن ذلك عمل المقتضي عملَه.

وصار هذا كنَفْي عمرَ ليهود خيبر، والنصارى من جزيرة العرب. وإنما لم يُنفِّذه أبو بكرٍ لاشتغاله عنه بقتالِ أهل الرِّدَّة، وشروعه في [قتال] (٢) فارس والروم، وكذلك لم يفعله عمر في أول خلافته، لاشتغاله -أيضًا- بقتال فارس والروم، فلما تمكَّن من ذلك فعلَ ما أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وإن كان هذا قد يُسمَّى بدعة لغةً، كما قال اليهود: كيف تُخْرجنا


(١) للشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي نظرٌ آخر في السبب الموجِب للافتراض، ذكره في بحثٍ له عن "قيام رمضان".
(٢) زيادة لازمة.

<<  <   >  >>