للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا السؤال -مع بُعْدِه عن طريق العلم- هو غايهُ ما يتمسَّك به المَقْبُرِيُّون (١).

والجواب عن ذلك على وجه الاختصار: أن ذلك لم يُنقل في اسْتحبابه -فيما علمناه- شيءٌ ثابت عن القرون الثلاثة المفضَّلة الذين أثنى عليهم الرسول، مع شدَّة المقتضي فيهم لذلك لو كان فضيلة.

وأما من بعدَهم؛ فأكثر ما يُفرض أن الأمة اختلفت، ولا يمكن أن يقال: إن الأمة أجمعت على استحسان ذلك؛ لأن كثيرًا من الأمة كَرِه ذلك وأنكره قديمًا وحديثًا.

وأيضًا: من الممتنع أن تتفق الأمةُ على استحسانِ فعلٍ، لو كان حسنًا لفعله المتقدمون، ولم يفعلوه (٢)، فإن هذا من باب تناقض الإجماعات وهي لا تتناقض، وإذا اختلف فيه المتأخرون، فالفاصل بينهم هو كتابُ الله والسنة والإجماع المتقدِّم نصًّا واستنباطًا؛ فكيف والحمد لله لم يُنْقَل هذا عن إمامٍ معروف ولا عالم متَّبَع؛ بل المنقول من ذلك إما كذب كما كُذِب على الشافعي أنه قال: "إني إذا نزل شيءٌ بي (٣) أجيءُ فأدعو عند قبر أبي حنيفة فأُجاب"!

فهذا كذبٌ معلوم كذبُه؛ فإن الشافعي لما قدمَ بغداد لم يكن ببغداد قبر يُنتاب للدعاء عنده، وقد رأي الشافعيُّ بالحجاز والشام من قبور الأنبياء والصحابة والصالحين من هو أفضل عنده من أبي حنيفة، فما


(١) كذا في الأصل والاقتضاء، نسبة إلى المقبرة، وفي "الباء" وجهان الضم والفتح.
(٢) في "الأصل": "ولم يفعلونه"! وهو خطأ.
(٣) كذا، وفي "الاقتضاء": "نزلت بي شدة".

<<  <   >  >>