للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكمه ويصير شرعًا شَرَعه المسيح في السماء، فهم في كل مدةٍ ينسخون أشياء ويشرعون أشياء، زعمًا أن هذا بمنزلة نسخ الله شريعةً بشريعةٍ، فهم عكس اليهود، هؤلاء يجوِّزون لأحبارهم النسخ، واليهود لا يجوِّزون أن ينسخ اللهُ الشرائع، فلذلك لا تنضبط للنصارى شريعةً تُحْكَي على الأزمان.

وغَرضنا لا يتوقف على تفصيل باطلهم، بل يكفينا أن نعرف المنكر معرفةً تميِّز بينه وبين المباح والمعروف، والمستحب والواجب، حتى نتمكَّن بهذه المعرفة من اتقائه واجتنابه كما نعرف سائر المحرمات، إذ الفَرْض علينا تركها، ومن لم يعرف المنكر جملةً وتفصيلًا (١) لم يتمكَّن من قصد اجتنابه، والمعرفة الجُملِيَّة كافية بخلاف الواجبات، فإنه لما كان الغَرَض فعلها، والفعلُ لا يتأتَّى إلا مفصَّلًا، وجبت معرفتها على سبيل التفصيل.

وإنما عددت أشياء من منكرات دينهم، لما رأيتُ طوائفَ من المسلمين قد ابتليَ ببعضها، وجَهِل كثيرٌ منهم أنها من دين النصارى الملعونِ هو وأهلُه.

وقد بلغني أنهم يَخْرجون في الخميس الذي قبل هذا، أو يوم السبت، أو غير ذلك إلى القبور يبخِّرونها، وكذلك ينحرون، ويعتقدون أن في البخور بركة ودفع أذى وراءَ كونه (٢) طِيبًا، ويعدُّونه من القرابين مثل الذبائح، ويزفُّونه بنحاسٍ يضربونه كأنه ناقوس صغير، وبكلامٍ


(١) كذا بالأصل، وفي "الاقتضاء": "جملة ولا تفصيلًا" وهو أصح في المعنى.
(٢) في "الأصل": "كونها". والصحيح المثبت؛ لأن الضمير عائد إلى البخور.

<<  <   >  >>