للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دخلوا المسجد، والمشركون من قريش في ظل الكعبة، فلما أبصروه تباشروا به، وظنوا أن الحصر والبلاء حملهم على أن يدفعوا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقتلوه، فلما انتهى إليهم أبو طالب ورهطه رحبوا بهم وقالوا: قد آن لك أن تطيب نفسك عن قتل رجل في قتله صلاحكم وجماعتكم، وفي حياته فرقتكم وفسادكم! فقال أبو طالب: قد جئتكم في أمر لعله يكون فيه صلاح [٦٦] وجماعة فاقبلوا «١» ذلك منا، هلموا صحيفتكم التي فيها تظاهركم علينا، فجاءوا بها، ولا يشكون إلا أنهم «٢» سيدفعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم إذا نشروها، فلما جاءوا بصحيفتهم قال أبو طالب: صحيفتكم بيني وبينكم، وإن ابن أخي قد خبرني- ولم يكذبني- أن الله عز وجل قد بعث على صحيفتكم الأرضة، فلم تدع لله فيها إسماً إلا أكلته وبقي فيها الظلم والقطيعة والبهتان، فإن كان كاذبا فلكم علي أن أدفعه إليكم تقتلونه، وإن كان صادقاً فهل ذلك ناهيكم عن تظاهركم علينا؟ فأخذ عليهم المواثيق، وأخذوا عليه، فلما نشروها فإذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا هم بالغدر أولى منهم، واستبشر أبو طالب وأصحابه، وقالوا: أينا أولى بالسحر والقطيعة والبهتان؟

فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وهشام بن عمرو، أخو عامر بن لؤي بن حارثة، فقالوا: نحن براء من هذه الصحيفة القاطعة العادية الظالمة، ولن نمالىء أحداً في فساد أنفسنا وأشرافنا، وتتابع على ذلك ناس من أشراف قريش، فخرج أقوام من شعبهم وقد أصابهم الجهد الشديد «٣» ، فقال أبو طالب في ذلك من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما أرادوا من قتله:


(١) في ع: فاقبوا.
(٢) في ع: ولا يشركون إلا بهم.
(٣) يفهم القارىء أن الحصار قد انتهى بهذه الحادثة، لكن ابن اسحق يتابع الحديث موحيا بأن الحصار قد استمر، ومن فحص بقية الخبر يبدو أن هذه البقية تشكل متن رواية جديدة، وعلى هذا نرى بأن ابن اسحق كان يدمج الروايات.

<<  <   >  >>