للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يخالف ما سبق أن عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة جاءت به أمه وقالت: هذا ابني، وهو غلام كيس، وكان عمره عشر سنين، وقيل تسع سنين، وقيل ثمان سنين.

ففي مسلم عن أنس قال «جاءت بي أمي أم أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه، فقالت: يا رسول الله هذا أنيس ابني أتيتك به ليخدمك فادع الله له فقال: اللهم أكثر ماله وولده» .

وقد يقال: لا مخالفة، لأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم إنما قال لأبي طلحة ما ذكر رجاء أن يأتي له بمن هو أقوى من أنس على السفر شفقة على أنس، ومن ثم لم يخرجه صلى الله عليه وسلم معه.

وفيه أنه خرج معه في بدر، فقد جاء «أنه قيل لأنس رضي الله عنه: أشهدت بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا أم لك، وأين غبت عن بدر؟» .

وقد يقال: جاز أن يكون عرض لأنس رضي الله عنه حين خروجه صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ما يقتضي الشفقة عليه في عدم إخراجه معه والله أعلم.

واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة نميلة، وقيل سباع بن عرفطة، أي وصحح وكان الله وعده وهو بالحديبية: أي عند منصرفه منها في سورة الفتح بمغانم بقوله تعالى وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها [الفتح: الآية ٢٠] أي مغانم خيبر، وخرج معه صلى الله عليه وسلم من نسائه أم سلمة رضي الله تعالى عنها، وقال صلى الله عليه وسلم في سيرة لعامر بن الأكوع عم سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنهما: انزل فحدثنا من هناتك، وفي رواية: من هنيهاتك، وفي لفظ: من هنياتك بقلب الهاء الثانية ياء، أي من أراجيزك وأشعارك. وفي لفظ: انزل فحرك بنا الركاب، فقال: يا رسول الله قد تولى قولي: أي الشعر، فقال له عمر رضي الله عنه: اسمع وأطع، فنزل يرتجز بقوله رضي الله تعالى عنه:

والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا

الأبيات.

وفي مسلم «اللهم لولا أنت ما اهتدينا» قيل وصوابه في الوزن لا هم، أو يا ألله، أو والله لكن في تلك الأبيات فاغفر فداء لك ما اقتفينا: أي فاغفر ما اكتسبنا، وأصل الاقتفاء الاتباع.

وفي خطاب الباري عز وجل بفداء لك ما لا ينبغي لأنه لا يقال للباري عز وجل فديتك لأن ذلك إنما يستعمل في مكروه متوقع حلوله بالمفدي بالفتح، فيجعل المفدي بالكسر نفسه فداء له من ذلك، فيبذل نفسه عن نفسه.

وأجيب عن ذلك بأن الشاعر لم يرد ذلك، بل أراد أن يبذل نفسه في رضاه سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>