للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: «كنت أستظل بجفنة عبد الله بن جدعان في صكة عمي» أي في الهاجرة، وسميت الهاجرة بذلك، لأن عمى تصغير أعمى على الترخيم: رجل من العماليق أوقع بالعدو القتل في مثل ذلك الوقت.

وقيل هو رجل من عدوان كان فقيه العرب في الجاهلية، فقدم في قومه معتمرا، فلما كان على مرحلتين من مكة قال لقومه وهم في نحر الظهيرة: من أتى مكة غدا في مثل هذا الوقت كان له أجر عمرتين، فصكوا الإبل صكة شديدة حتى أتوا مكة من الغد في وقت الظهيرة، ولعل هذا لا يخالفه قول ابن عباس رضي الله عنهما: عجلنا الرواح للمسجد صكة الأعمى، فقيل ما صكة الأعمى؟ قال: إنه لا يبالي أية ساعة خرج.

وكان عبد الله بن جدعان في ابتداء أمره صعلوكا، وكان مع ذلك شريرا فتاكا لا يزال يجني الجنايات، فيعقل عنه أبوه وقومه حتى أبغضته عشيرته، وطرده أبوه، وحلف لا يأويه أبدا، فخرج هائما في شعاب مكة يتمنى الموت، فرأى شقا في جبل فدخل فإذا ثعبان، عظيم له عينان تتقدان كالسراج، فلما قرب منه حمل عليه الثعبان فلما تأخر انساب: أي رجع عنه، فلا زال كذلك حتى غلب على ظنه أن هذا مصنوع، فقرب منه ومسكه بيده فإذا هو من ذهب وعيناه ياقوتتان، فكسره ثم دخل المحل الذي كان هذا الثعبان على بابه، فوجد فيه رجالا من الملوك، ووجد في ذلك المحل أموالا كثيرة من الذهب والفضة، وجواهر كثيرة من الياقوت واللؤلؤ والزبرجد، فأخذ منه ما أخذ، ثم علم ذلك الشق بعلامة وصار ينقل منه ذلك شيئا فشيئا، ووجد في ذلك الكنز لوحا من رخام فيه: أنا نفيلة بن جرهم بن قحطان بن هود نبي الله، عشت خمسمائة عام، وقطعت غور الأرض باطنها وظاهرها في طلب الثروة والمجد والملك، فلم يكن ذلك ينجي من الموت، ثم بعث عبد الله بن جدعان إلى أبيه بالمال الذي دفعه في جناياته، ووصل عشيرته كلهم فسادهم، وجعل ينفق من ذلك الكنز ويطعم الناس، ويفعل المعروف.

قال: وفي رواية: تحالفوا على أن يردوا الفضول على أهلها، ولا يقر ظالم على مظلوم: أي وحينئذ فالمراد بالفضول ما يؤخذ ظلما.

وقيل: إن هذا أي رد الفضول مدرج من بعض الرواة. زاد بعضهم: على ما بلّ بحر صوفة، وما رسا حراء وثبير مكانيهما اهـ: أي والمراد الأبد كما تقدم، وكان معهم في ذلك الحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: «ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار بني جدعان حمر النعم» أي الإبل «وأني أغدر به» بالغين المعجمة والدال المهملة: أي لا أحب الغدر به وإن أعطيت حمر النعم في ذلك. قال: وفي رواية «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم» أي

<<  <  ج: ص:  >  >>