للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة والسلام نبىء ورفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، بل قيل نبىء وهو طفل، فاشتراط الأربعين في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ليس بشيء، هذا كلامه: أي وفيه أن هذا بمجرده لا يدل على وضع الحديث، ويوافقه أيضا قول القاضي البيضاوي: ونبىء نوح وهو ابن خمسين سنة، وقيل أربعين، ويوافقه أيضا قول بعضهم: ومما يدل على أن بلوغ الأربعين ليس شرطا للنبوة، وقصة سيدنا يحيى صلوات الله وسلامه عليه بناء على أن الحكم في قوله تعالى: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم: الآية ١٢] النبوة، لا الحكمة وفهم التوراة كما قيل بذلك، بل أحكم إليه عقله في صباه واستنبأه، قيل كان ابن سنتين أو ثلاث.

ولما ولي الخلافة المقتدر وهو غير بالغ صنف الإمام الصولي له كتابا فيمن ولي الأمر وهو غير بالغ، واستدل على جواز ذلك بأن الله بعث يحيى بن زكريا نبيا وهو غير بالغ، وذكر فيه كل من استعمله النبي صلى الله عليه وسلم من الصبيان. قال بعضهم: وهو كتاب حسن، فيه فوائد كثيرة.

وكان ذبح يحيى قبل رفع عيسى عليهما الصلاة والسلام بسنة ونصف سنة.

ومما يدل على ما تقدم عن الهدى: أي من إنكار أن عيسى عليه الصلاة والسلام رفع وله ثلاث وثلاثون سنة قول بعضهم: الأحاديث الصحيحة تدل على أنه إنما رفع وهو ابن مائة وعشرين سنة. من تلك الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم في مرض موته لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها «أخبرني جبريل أنه لم يكن نبي إلا عاش نصف عمر الذي كان قبله، وأخبرني أن عيسى ابن مريم عاش عشرين ومائة سنة، ولا أراني إلا ذاهبا على رأس الستين» وفي الجامع الصغير «ما بعث الله نبيا إلا عاش نصف ما عاش الذي قبله» وعلى كون كل نبي عاش نصف ما عاش النبي الذي قبله يشكل أن نوحا كان أطول الأنبياء عمرا، ومن ثم قيل له كبير الأنبياء، وشيخ المرسلين. وهو أول من تنشق عنه الأرض بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم رأيت أن الحافظ الهيتمي ضعف حديث: ما بعث الله نبيا إلا عاش نصف ما عاش النبي الذي قبله.

وقال العماد بن كثير: إنه غريب جدا. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك قام من الليل يصلي، فاجتمع رجال من أصحابه يحرسونه:

أي ينتظرون فراغه من الصلاة، لأن نزول وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: الآية ٦٧] كان قبل هذا، حتى إذا صلى وانصرف إليهم قال لهم: لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد قبلي» زاد في رواية «لا أقولهن فخرا. أما أولاهنّ فأرسلت إلى الناس كلهم عامة» أي من في زمنه وغيرهم ممن تقدم أو تأخر: أي وللشجر والحجر إلى آخر ما يأتي «وكان من قبلي» وفي لفظ «وكان كل نبي إنما يرسل إلى قومه» أي جميع أهل زمنه أو جماعة منهم خاصة. ومن الأول نوح، فإنه كان مرسلا لجميع من كان في زمنه من أهل الأرض، ولما

<<  <  ج: ص:  >  >>