للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام، وكانت جرهم قد دفنتها: أي فإن جرهما لما استخفت بأمر البيت الحرام، وارتكبوا الأمور العظام، قام فيهم رئيسهم مضاض بكسر الميم وحكى ضمها، ابن عمرو خطيبا: ووعظهم فلم يرعووا فلما رأى ذلك منهم عمد إلى غزالتين من ذهب كانتا في الكعبة وما وجد فيها من الأموال: أي السيوف والدروع على ما سيأتي التي كانت تهدى إلى الكعبة ودفنها في بئر زمزم.

وفي مرآة الزمان أن هاتين الغزالتين أهداهما للكعبة وكذا السيوف ساسان أول ملوك الفرس الثانية. ورد بأن الفرس لم يحكموا على البيت ولا حجوه هذا كلامه.

وفيه أن هذا لا ينافي ذلك، فليتأمل. وكانت بئر زمزم نضب ماؤها: أي ذهب فحفرها مضاض بالليل وأعمق الحفر ودفن فيها ذلك: أي ودفن الحجر الأسود أيضا كما قيل، وطم البئر، واعتزل قومه فسلط الله تعالى عليهم خزاعة، فأخرجتهم من الحرم، وتفرقوا وهلكوا كما تقدم، ثم لا زالت زمزم مطمومة لا يعرف محلها مدة خزاعة ومدة قصي، ومن بعده إلى زمن عبد المطلب. ورؤياه التي أمر فيها بحفرها.

قيل وتلك المدة خمسمائة سنة: أي وكان قصي احتفر بئرا في الدار التي سكنتها أم هانئ أخت علي رضي الله تعالى عنهما، وهي أول سقاية احتفرت بمكة.

فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال احفر طيبة، فقلت: وما طيبة؟ فذهب وتركني، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال احفر برة، فقلت: وما برة فذهب وتركني، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني وقال احفر المضنونة، فقلت: وما المضنونة؟ فذهب وتركني، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال احفر زمزم، فقلت: وما زمزم؟ قال: لا تنزف، ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدم، عند نقرة الغراب الأعصم، عند قرية النمل. وقوله لا تنزف: أي لا يفرغ ماؤها، ولا يلحق قعرها.

وفيه أنه ذكر أنه وقع فيها عبد حبشي فمات بها وانتفخ فنزحت من أجله، ووجدوا قعرها فوجدوا ماؤها يفور من ثلاثة أعين، أقواها وأكثرها التي من ناحية الحجر الأسود.

وقوله ولا تذم بالذال المعجمة: أي لا توجد قليلة الماء، من قولهم: بئر ذمة أي قليلة الماء قيل وليس المراد أنه لا يذمها أحد، لأن خالد بن عبد الله القسري أمير العراق من جهة الوليد بن عبد الملك ذمها وسماها أم جعلان، واحتفر بئرا خارج مكة باسم الوليد بن عبد الملك، وجعل يفضلها على زمزم ويحمل الناس على التبرك بها.

وفيه أن هذا جرأة منه على الله تعالى وقلة حياء منه، وهو الذي كان يعلن

<<  <  ج: ص:  >  >>